بقلم : نادين عبدالله
حادث القطار الأخير هو حادث مروع بكل معانى الكلمة، راح ضحيته العشرات وأُصيب فيه ما يفوق المائة والخمسين شخصًا. الأمر مؤلم لأبعد الحدود. تخيل أن تسافر لرؤية عائلتك أو لقضاء أمر ما أو للعمل فلا تعود ولا تراك أسرتك ثانية. الأسبوع الماضى، قضت أسر عديدة ليلتها وهى فاقدة عضوًا فيها وربما عائلها. هل من أمر أقسى من ذلك؟
ومع ذلك يظل السؤال قائمًا: مَن المسؤول عن هذا الحادث المأساوى؟ وزير النقل؟ القائمون على منظومة السلامة فى المحطة؟ لا نعرف الكثير، لكن ما نعرفه هو أن رواية المسؤولية الفردية لم يعد لها معنى. وهى رواية يسعى أحيانًا الإعلام لترويجها راميًا اللوم تارة على مجهولين، وتارة على وجود سائقين مخدَّرين أو مهملين.
فى العام الماضى، شهدنا أيضًا حادثة قطار مأساوية استقال على أثرها د. هشام عرفات، وزير النقل، رغم محاولاته الإصلاحية وجهوده المؤكدة. كانت الحجة فى الحادث السابق هى إهمال السائق ومنع «إبرة السقوط» الموجودة فى أبراج المراقبة من التحكم فى القطار وإيقافه. أما هذه المرة فيبدو أن اللوم أُلقى على مجهولين نزعوا «بلف الخطر»، مما أدى إلى حادث التصادم هذا.
فعليًا، تكرار حوادث القطارات فى مصر بهذا الشكل المفجع لابد أن يفتح بصيرتنا ويدفعنا إلى الإقرار بعمق الأزمة. دعونا نكف عن دفن رؤوسنا فى الرمال. نعم، فى دول العالم المتقدم، نرى مثل هذه الحوادث، لكن من ناحية، يكون هذا هو الاستثناء، ومن ناحية أخرى، تعمل منظومة الأمان فى هذه الدول على تقليل إمكانية حدوثها إلى حد تلاشيها.
ومن ثَمَّ، فالأجدر بنا هو الاعتراف باختلال منظومة السلامة فى قطارات السكة الحديد فى مصر، تلك التى تناقصت فاعليتها بشكل لافت. حان الوقت أن نعترف بأن المشكلة هيكلية ومتجذرة وتتعلق بانهيار منظومة السكة الحديد بالكامل. الأمر يتعلق بالمنظومة كلها ولا يتعلق بحوادث طارئة أو أخطاء فردية عارضة (وإن كان ذلك واردًا بالطبع).
وهو أمر لابد أن يدفعنا أخيرًا إلى التفكير فى نقطة أخرى مفصلية مرتبطة بها، تلك التى تتعلق بأولويات التنمية. فعليًا، لا يمكن إصلاح الخدمات العامة فى مصر من دون إرادة سياسية تعطيها أولوية، وتطلق اليد فى تغيير هيكل المنظومة بأسرها. وهنا يثور تساؤل مهم: هل الأولوية لإصلاح منظومة السكة الحديد التى تخدم أغلب شعب مصر أم أن الأولوية موجهة فى اتجاه مختلف؟