بقلم - نادين عبدالله
اندلعت الحرب على الأراضى الأوكرانية وشهدت أوكرانيا أوقاتا عصيبة، وشاهدنا معها مشاهد مؤلمة مبكية لعائلات نازحة وأطفال باكين. الوضع صعب وحزين. ومع بداية العزو الروسى وظهور هذه المشاهد المفجعة، ظهرت فى مصر ردود أفعال متفرقة على مواقع التواصل الاجتماعى. ففى البداية، تعاطف الكثيرون مع الشعب الأوكرانى وظهرت مبادرات تضامنية مفرحة، من بينها الدعاء والصلاة فى الجوامع أو الكنائس، وتحمس البعض وطلب التدخل لمساعد الشعب الأوكرانى بأى طريقة ممكنة.
ولكن بعد قليل من الوقت تلاشت هذه الأفكار بعض الشىء، وظهرت روايات أخرى مغايرة تنتقد الاهتمام الأوروبى والعالمى بالحالة الأوكرانية، وتتساءل لماذا لم تحظ فلسطين أو اليمن أو سوريا أو غيرها من الدول العربية المأزومة بمثل هذا الاهتمام، رغم الأهوال التى تشهدها شعوبها المكلومة. وهنا ظهرت مثلا كاريكاتورات تضع العلم الأوكرانى على اليمن أو فلسطين، متسائلة لو كان هذا هو الحل الوحيد كى يسمع العالم أنينها مثلما سمع صريخ الشعب الأوكرانى.
للأسف، مثل هذه السرديات تخفى وراءها كثيرًا من الضعف والهزيمة. فالطبيعى هو أن تتعاطف الشعوب الأوروبية مع جيرانها لما فى ذلك من قرب جغرافى وامتداد ثقافى. ومفهوم إلى حد كبير أن يهتم الحكام الأوروبيون بالقضية الأوكرانية لما فى ذلك من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية. أما غير العادى فهو أن ينكر البعض هذه البديهيات أو يندهش منها.
فعليًا، مشكلة مثل هذه الروايات أنها تكتفى باللطم والثرثرة وتستعيض بها عن التأثير والفعل. فالأجدر هو أن يسأل أصحاب مثل هذه الأفكار أنفسهم، ماذا فعلت الدول العربية لمساندة بعضها؟، وماذا فعلت الشعوب العربية لدعم أشقائها والتضامن المعنوى والمادى معهم؟، جميعنا يعرف أن المساندة منقوصة وأن التضامن خافت للغاية.
قد يقول قائل، ولكن الدول والشعوب العربية ليست فاعلًا قويًا على الساحة الدولية، ومن ثم، لا بد من أن نوجه لومنا للفاعلين الأقوياء. وهنا أيضًا، مشكلة مثل هذه الخطابات أنها تعزز مفهوم الضعف نفسه لأنها تؤكده بدلا من أن تسعى إلى تغييره. فهى تكتفى بالمكلمة، وتريح ضميرها بالثرثرة بدلا من أن تعترف بالتقصير، وتفكر فى كيفية تغيير مواقعها فتكون فاعلًا لا مفعولًا به.
فالحقيقة هى أنه حان وقت تغيير سرديات المهزومين هذه الى أفعال تخلق دولا وشعوبا منتصرة ومؤثرة، بل قادرة على تقديم تضامن إنسانى ودعم سياسى للجميع على السواء.