توقيت القاهرة المحلي 08:59:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثمن غياب السياسة

  مصر اليوم -

ثمن غياب السياسة

بقلم - نادين عبدالله

هو ثمن باهظ يدفعه الجميع بلا استثاء؛ ليس فقط النظام الذى تسبب فيها لكن أيضًا المجتمع الذى حرم منها غالبًا٬ وشرعنها أحيانًا. السياسة هى وسيلة وليست غاية فى ذاتها. وهى ببساطة أداة المجتمع للتعبير عن نفسه٬ ووسيلة النظام لتجديد شرعيته٬ ووسيلة السلطة للتواصل مع الناس من منطلق شرعية الاقتناع لا القوة. فلو لم تكن القنوات السياسية مهمة لما آمنت بها المجتمعات٬ ولما اعتنقتها الدول المتقدمة٬ ولما سمعنا عن علماء فى العلوم السياسية والاجتماعية.

والحقيقة أننا وجدنا أنفسنا فى مصر فى السنوات الماضية أمام نظام آثر إغلاق المجال العام بشكل غير مسبوق. ففرص التعبير عن الرأى تتاح للمؤيدين فى أوسع الحدود٬ ولذوى الأصوات النقدية أو المعارضة فى أضيقها. أما الساحة السياسية والإعلامية فهى مفتوحة على مصراعيها أمام «المطبلاتى» والمؤيد بعقل؛ وشبه مغلقة أمام من أطلق عليه البعض لقب «المقللاتى». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أغلقت أيضًا قنوات التواصل السياسى الطبيعية فى أى مجتمع، سواء كانت كيانات سياسية أو حزبية أو نقابية؛ أو حتى مبادرات شبابية نقدية؛ فشعرت كتل مجتمعية واسعة بأن صوتها غير مسموع٬ وأن حقها فى التعبير عن نفسها تم إهداره.

وأمام مجال عام مغلق بالضبة والمفتاح٬ اختار البعض أن يهلل بلا وعى متبعًا مقولات تردد هنا أو هناك: «احنا مجتمع ميجيش غير كده»٬ «مفيش حاجة اسمها ديمقراطية فى بلادنا»؛ فى حين انزوى كثيرون ممن انخرطوا سابقًا فى عمل مجتمعى أو سياسى٬ وتقوقع آخرون فهجروا العمل العام للتركيز على ساحة العمل الخاص. وكانت النتيجة هى غياب أى كيانات تمثل المجتمع٬ وتعبر عن مطالبه وتطلعاته بشكل منظم ومنضبط. وهو أمر٬ بالمناسبة٬ لا يفيد النظام سياسى بقدر ما يضره. هذا بالإضافة إلى كبت غير مسبوق للطاقات النقدية على جميع الأصعدة٬ وهى إشكالية حقيقية، لأن الاختلاف والنقاش بين وجهات النظر المختلفة بشأن السياسات المتبعة هما الطريقة الوحيدة لضمان أنها الأفضل. وهذا يعنى أن تصور البعض٬ أن النقاش العام حول القضايا الملحة هو رفاهية ليس أكثر٬ هو تصور خاطئ. فالمجتمعات التى تطورت هى تلك التى وفرت جواً من الحرية سمح للمتخصصين وغيرهم من المهتمين بالشأن العام بالتعبير عن أطروحاتهم النقدية بلا خوف أو تخوين٬ وطرح تصوراتهم أو سياستهم البديلة فى جو من الثقة والتعاون المتبادل. فلا يمكن التوصل إلى أفضل الحلول سوى فى نظام منفتح يقبل الحجة والحجة المضادة٬ ويعترف بأن للنقاش العام دوراً ووظيفة٬ فلا يوظفه أو يسطحه.

وأخيرًا٬ ليس غريبًا أن ينتج عن هذا المناخ المغلق حياة سياسية هشة غابت أو غيب عنها الهدف الحقيقى من السياسة: وهو التنافس الصحى بين وجهات نظر متعددة ونقدية تمثل تطلعات كتل مجتمعية عدة؛ يصلها التنافس٬ فى نهاية المطاف٬ إلى حلول وسطية يرضى عنها أكبر عدد من الأطراف بما يضمن استقرار كل من النظام والمجتمع. وهنا٬ وللأسف٬ يأتى مشهد الانتخابات المقبلة فى مصر كتجسيد حقيقى لمعضلة غياب السياسة٬ وانتفاء جوهرها المتمثل فى التنافس بين رؤى وبرامج وربما سياسات مختلفة تمثل توجهات وكتلا مجتمعية متعددة؛ وهو مشهد يعكس فى وحدته أسباب تفرقه الضمنى؛ وفى قوته جوانب ضعفه المخفية.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن غياب السياسة ثمن غياب السياسة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon