بقلم - نادين عبدالله
سافرت إلى إحدى جزر اليونان الصغيرة غير الشهيرة بهدف قضاء العطلة والسياحة. كانت أولوياتى قضاء وقت مريح أمام البحر فى مكان هادئ وجميل. والحقيقة هى أنى تذكرت كثيرًا مصر، وبالذات الساحل الشمالى طوال وقت الإجازة.
الجزيرة الصغيرة يقطنها حوالى ٣٠ ألف مواطن؛ وبعيدًا عن المدينة الصغيرة بالجزيرة، تجد الطرق كلها جبلية وضيقة. المناظر الطبيعية جميلة فى هذه الطرق حيث رؤية الجبال الخضراء وهى تعلو البحر.
أمضيت الوقت برفقة زوجى أمام البحر ذى المياه الصافية. غالبية الفنادق لا تملك شواطئ خاصة. فما عليك إلا أن تذهب إلى أحد المقاهى البسيطة الموجودة على البحر، وتستأجر كرسيًّا وشمسية، وتطلب ما تحتاج من مشروبات أو أطعمة من المطبخ اليونانى العريق بأسعار معقولة جدًّا. الفنادق كلها صغيرة، حيث يحتوى الفندق على الأكثر على ١٠ حجرات، كل شىء جميل وبسيط للغاية.
الأمر الذى أثار بداخلى تساؤلات عديدة حول مصيف الساحل وما شابهه من مصايف فى مصر. فأغلب هذه المصايف فاحشة الثمن؛ ويغلب عليها إحساس البهرجة؛ والرغبة أو الحاجة لصرف أموال كثيرة. كى تستمتع بالجو الجميل وبالشواطئ المتميزة عليك أن تدفع كثيرًا. والحقيقة هى أن هذا الوضع يعكس مشكلة ثنائية..
فهناك أزمة من جانب العرض. لكى تهرب من القبح المحيط، ولكى تضمن مستوى معينًا من النظافة ومن الجودة، تحتاج إلى صرف المال أو الكثير منه. فالمصيف الجميل الممتع البسيط وذو الثمن المعقول، فى آن واحد، غير موجود تقريبًا.
وهو ما يدفع عائلات بأكملها من أبناء الطبقات الوسطى إلى «التحويش» طوال العام، حتى يستطيعوا قضاء عطلة الصيف أمام البحر. ومن لا يقدر على ذلك، وهم الغالبية العظمى، فيعانون من قلة الجمال والجودة، أو يقضون وقتهم فى الحسرة على أوضاعهم المتدهورة.
وهناك أيضًا وأخيرًا، مشكلة مؤكدة من جانب الطلب. فالمبالغ المالية التى يدفعها الكثيرون فى العديد من مصايف الساحل باهظة جدًّا بالمقارنة بجودة الخدمات المقدمة. ومن منطلق منطقى بحت، يمكن الاستفادة بنفس مستوى الخدمات وربما بجودة أعلى فى مناطق ساحلية أخرى فى أوروبا.
لكن ليس هذا ما يفضله العديد منهم. فما يشتريه هؤلاء ليس الجودة لكن «المنظرة»، ومظهر التواجد فى أعلى السلم المادى للمجتمع. ما يشترى هنا ليس الجمال، فهو لا يحتاج إلى هذا الكم من البهرجة، بل كارت الانضمام إلى طبقة اجتماعية عالية ما، حقيقية أو متخيلة.