بقلم - نادين عبدالله
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية لهذا العام بتأهل كل من إيمانويل ماكرون، الرئيس المنتهية ولايته (حصل على ٢٨.٥٪ من الأصوات)، ومارين لوبان (حصلت على ٢٣.١٪ من الأصوات) إلى جولة الإعادة. مرة أخرى يصعد اليمين المتطرف، لكن هذه المرة يواكب ظهوره يمين آخر أكثر تطرفًا منه يقوده أريك زامور. وهو الأمر الذى يعطى مارين لوبان صبغة أكثر اعتدالاً ويجعل، فى الوقت نفسه، التطبيع مع اليمين المتطرف أمرًا واقعًا على الساحة السياسية الفرنسية.
أعلنت هذه الانتخابات تأكيد انكسار الثنائية القديمة حيث هيمنة أحد الحزبين الكبيرين التاريخيين الجمهورى أو الاشتراكى، فتأهل حزبين من خارج هذه الثنائية إلى جولة الإعادة، وهو ما حدث لأول مرة فى الانتخابات الماضية. وهنا يثور التساؤل التالى: لماذا تزداد سطوة اليمين المتطرف إلى هذا الحد؟ ولماذا ارتفعت شعبية لوبان؟ أو بتعبير آخر، من الذى يصوت لها وكيف ارتفع عددهم؟
فعليًا، تشير النتائج الأولية إلى استمرار ارتفاع نسبة تصويت العمال والموظفين للوبان، هؤلاء الذى يستمر شعورهم بالتهميش نتيجة العولمة ونتيجة ثورة التكنولوجيا التى تشعرهم يوميًا بتضاؤل أهميتهم. فجاء خطاب لوبان المناهض للعولمة ليعطيهم بصيصا من الأمل حتى ولو زائف. فقد تبنت خطابًا شبيهًا بترامب «فلنرجع فرنسا إلى الفرنسيين» على شاكلة «أمريكا أولاً». وهى شعارات رنانة وجاذبة للمهمشين من ذوى التعليم المنخفض والمتوسط حتى وإن كانت بلا مضمون واقعى أو حقيقى.
وفى هذا الإطار نشير إلى تركيز لوبان فى حملتها الانتخابية على تدهور المستوى المعيشى للفرنسيين فى عهد ماكرون، وقضايا الصحة والاقتصاد، إلى الحد الذى وصل إلى تبنيها زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة ١٠٪. ومن ثم تقليل اهتمامها نسبيًا بالقضايا المتعلقة بالهوية والهجرة، تلك التى لم يتحرج زامور من جعلها محور حملته الانتخابية. وهى بذلك ظهرت بمظهر المناصر لقضايا العمال ومحدودى الدخل والداعم لهم.
والحقيقة هى أن هذه الوضعية تخفى وراءها عيبًا هيكليًا خطيرًا لا تعانى منه فرنسا فحسب بل العالم كله تقريبًا: غياب اليسار عن المشهد السياسى. صحيح أن ملانشون مرشح اليسار الراديكالى حصل على ثالث أكبر نسبة بعد ماكرون ولوبان (٢١.٩٪ من الأصوات) إلا أنه لا يزال بعيدًا على المنافسة الحقيقية. وهو ما يجعل قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصاد السياسى منبرًا لليمين المتطرف يرفع لواءها من دون أن يقدم حلولاً منطقية لها بدلا من أن تكون موضوعًا للنقاش الموضوعى بين مرشحى اليمين المعتدل واليسار التقليدى.