بقلم - نادين عبدالله
منذ عدة أيام أعلنت المواقع الإخبارية والعديد من الصحف استقالة وزير التنمية البريطانى بعد تأخره عدة دقائق على مجلس العموم أو النواب البريطانى بما لم يسمح له بالإجابة عن أحد التساؤلات المطروحة هناك٬ وهو ما اعتبره خطأ جسيما لا يمكن التهاون فيه. قد يرى البعض أن هناك نوعا من المغالاة فى هذا التصرف٬ خاصة أن اعتذاره عن التأخر كان سيُقبل وسيمر الموضوع على الأرجح بلا مشكلة.
ليس مهماً لو عبر هذا الفعل عن نوع من التزيد أم لا، بل الأهم هو أن نقر ونعترف بأنه عكس فى جوهره إيمان الرجل العميق بأهمية الدور الرقابى لممثلى الشعب٬ وبالديمقراطية وقواعدها. فعلياً٬ الذهاب إلى مجلس النواب٬ والحرص على الإجابة على أسئلتهم ليس مجرد «تمثيلية» بالنسبة للوزير أو «استعراض»، أو حتى «تحصيل حاصل»٬ بل هى قضية يصدق فى أهميتها ويمارسها عن اقتناع وقناعة. وهو يمارس بهذه الطريقة صلب دوره الذى يؤمن به كسياسى منوط به دور تنفيذى فيستمد شرعيته من تأييد ممثلى الشعب لسياساته. وهنا البرلمان كممثل عن الشعب ومنتخب منه٬ له وظيفة- فوجوده ليس ديكوراً ديمقراطياً «والسلام»- بل يلعب دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة، واعتراف الثانية بدور الأولى يضمن رضا الشارع عن أدائها. هذه هى الآلية الديمقراطية التى لا يضمن فيها التوازن بين السلطات ضمان الحريات والحقوق فحسب، بل أيضاً الفاعلية والكفاءة بسبب الرقابة المستمرة على الأداء الحكومى.
نظرة سريعة حزينة على الواقع المصرى ستشعرك بحجم المأساة التى نعيشها يومياً بسبب تصورات مغلوطة عن دور السياسة والرقابة التى يعتبرها البعض رفاهية أو وجاهة، مع أن لها دورا ووظيفة تعرفها دراسات العلوم السياسية والاجتماعية، وغيابها هو الذى يفسر كثيرا من أوجه الخلل الحالية. بالقطع٬ إحدى مشكلات النظام الحالى هى أنه لا يعترف من الأصل بالمكونات السياسية والرقابية ودورها٬ بل يعتبر وجودها مهماً فقط للظهور أمام العالم بمظهر متحضر كمن يلبس قميصا مهترئا وقديما مغطى ببدلة عصرية وإن كانت مغطاة أيضاً بالأتربة. بالفعل٬ المؤسسات الرقابية والديمقراطية موجودة ومتواجدة فى مصر إلا أن جوهر الفعل والممارسة غائب، أو بالأحرى مغيب. وعلى سبيل المثال لا الحصر٬ مجلس النواب٬ بكل التساؤلات حول مدى تمثيله للمجتمع٬ ظل طوال السنين الماضية الحاضر الغائب الذى يقر ولا يناقش٬ يؤيد ولا يسأل، بل وطُلب منه٬ أحياناً٬ بالنص واللفظ أن يبتعد عن مناقشة الأمور الاقتصادية نظراً لتخصصها وحساسيتها. وكما نرى هناك حرص على إجراء انتخابات رئاسية مثلما يحدث فى العالم٬ واهتمام كبير أن تظهر بمظهر مرضٍ وتنافسى رغم أن الواقع لا يمت لذلك بصلة.
ويظل التساؤل مطروحاً دوماً فى واقعنا المصرى والعربى: هل تغييب القواعد الديمقراطية وإفراغها من معناها٬ بل ومن وظائفها٬ أزمة عرض أم طلب أم الاثنين معاً؟
نقلا عن المصري اليوم القاهرية