بقلم - نادين عبدالله
انتهت زيارة وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون للقاهرة منذ بضعة أيام فى أجواء تبدو هادئة؛ لم يحاول فيها الطرف الأمريكى الحديث عن أمور قد تغضب الطرف المصرى٬ وكذلك الأخير. فقد غلبت الروح الدبلوماسية الإيجابية على طبيعة الزيارة٬ وإن شابها فتور ضمنى أو مخفى. وتناولت الزيارة قضايا الحرب على الإرهاب التى أكد فيها تيلرسون دعم الولايات المتحدة فيها لمصر٬ وإن تشككت تقارير غربية فى قدرة الأخيرة على ذلك؛ كما تناولت الزيارة القضية الفلسطينية والدور المصرى فيها الذى لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله على الأقل بحكم الجغرافيا السياسية.
فعليًا٬ آثرت وزارة الخارجية الأمريكية إضفاء روح دبلوماسية هادئة على الزيارة فى لحظة تسعى فيها جاهدة إلى استعادة الاستقرار فى منطقة مشتعلة تحققت فيها انتصارات عسكرية على داعش فى سوريا والعراق. وفى لحظة تتأزم فيها الأمور فى سوريا وإيران وتركيا؛ لم تعد٬ على أى حال٬ مشكلات مصر المستقرة نسبيًا أو طريقتها فى إدارة ملف الديمقراطية (وغيرها من الملفات) ذات أولوية أو موضع اهتمام.
والحقيقة هى أن هذه الزيارة لا يمكن تحليلها أو فهم أبعادها من دون التطرق الى إعلان تيلرسون فى نهاية الصيف الماضى عن وقف 96 مليون دولار٬ بجانب تجميد 195 مليون دولار أخرى من المساعدات المخصصة لمصر٬ نتيجة ما اعتبرته تدهورًا فى أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية بجانب بعض التقارير التى أشارت إلى امتعاض الولايات المتحدة من علاقة مصر بكوريا الشمالية تلك التى تعتبرها عدوًا لدودًا لها؛ ولا يمكن فصلها أيضًا عن حفاوة لقاء الرئيسين المصرى والأمريكى فى العام الماضى التى لم تسفر٬ بأى شكل٬ عن زيادة فى الدعم الاقتصادى أو حتى الاستثمارى لمصر٬ أحد أهم بنود الأجندة المصرية.
فمعطيات الواقع الجديد توضح٬ وبعكس ما روجت له وسائل الإعلام فى مصر٬ أن العلاقات المصرية الأمريكية تمر بحالة ما من الفتور تتقابل فيها أولويات الاقتصاد والسياسة فقط فى حدها الأدنى. فالنظام المصرى يسعى من جهته إلى مزيد من الدعم الاقتصادى والاستثمارى العربى والغربى٬ وهو ما لا يسعى النظام الأمريكى إلى الالتفات إليه سوى فى أضيق الحدود. وهو يهتم أيضًا بتوطيد علاقته الخليجية والأوروبية٬ وحل مشكلاته المتعلقة بمياه النيل٬ وحماية حدوده الغربية ومصالحه فى ليبيا؛ فى حين يركز النظام الأمريكى بالأساس على علاقته المتوترة بكوريا الشمالية٬ المشكلات السياسية والعسكرية المتفجرة فى المنطقة سواء على الصعيد السورى والإيرانى أو على صعيد القضية الفلسطينية٬ وما سماه بصفقة القرن. ومن ثم٬ فهو يرى فى مصر حليفا مهما بالأساس فى هذه القضية٬ ويتواصل معها فى ملف مواجهة الإرهاب ذى الأولوية بالنسبة للطرفين٬ وإن اختلفت الرؤى بين الجانبين حول فاعلية الطرق المستخدمة من قبل النظام المصرى.
لذا وأخيرًا٬ لم تعكس الزيارة الأخيرة سوى استمرار العلاقات المصرية الأمريكية فى حدودها الأضيق حيث التلاقى فى إطار الحد الأدنى من المصالح المشتركة ليس أكثر٬ هذا على الرغم من التفاؤل غير المبرر للكثيرين بوصول ترامب إلى سدة الحكم٬ وأحلام الشراكة العميقة التى تصورها البعض مخطئًا. وفى هذا الإطار٬ يبقى ملف المساعدات الأمريكية لمصر والتطورات التى سيشهدها فى الفترة المقبلة مؤشرًا مهمًا لمستقبل العلاقات المصرية الأمريكية٬ بل أيضًا لطبيعتها.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية