بقلم - نادين عبدالله
امتلأت الصحف والفضائيات و«التوك شو» فى الفترة الأخيرة بأخبار الحوادث: أب يقتل أولاده أو يعذبهم٬ خطيبة تقتل خطيبها٬ متحرش يقتل زوج امرأة حاول زوجها الدفاع عنها٬ سائق يقتل زوجته٬ وابن يذبح أمه... إلخ، وظلت تُتداول هذه الأخبار «كأن مفيش غيرها»، بشكل يعطى انطباعاً بأن هذه النوعية من الحوادث تزداد بشكل مرعب٬ وبطريقة تشير ضمنياً إلى أن كل مشكلة البلد فى شعبه أو فى أخلاقه التى تدهورت فصارت مخيفة وسيئة.
والحقيقة هى أن هذا الاهتمام المبالغ به بالحوادث، والذى يصاحبه إهمال مؤكد للقضايا والمشكلات الرئيسية التى تواجه المجتمع، «من تعليم٬ وصحة٬ وسكن٬ وسوء أحوال اقتصادية»، لا يعكس فقط توجهاً عاماً يميل إلى تسطيح النقاش العام فى مصر٬ كى لا نقول تغييبه- إلى الحد الذى أصبح فيه الإعلام كما الصحف لا تجد ما تتحدث عنه غير الحوادث- بل أيضاً يؤكد وجود رغبة ما فى التأكيد على أن كل مشكلة البلد تكمن فى أخلاق المجتمع.
وهو أمر إشكالى لسببين، أولاً: لأنه يبث ثقافة الرعب والريبة بين الناس٬ فتغيب الثقة، بما يهدد بنية المجتمع نفسه بالتفكك. هذا بالإضافة إلى أن الأمر غير دقيق٬ لأن مثل هذه الجرائم موجودة فى مصر كما فى غيرها من الدول، «فلسنا شعباً من الملائكة»، أما الذى اختلف مؤخراً فهو المبالغة فى إلقاء الضوء عليها. ثانياً: لأنه يقنع الناس بما هو غير حقيقى٬ ألا وهو أن كل مشكلتنا تكمن فى تدهور القيم والأخلاق٬ وأنه بمجرد أن تعود قيم المصريين الجميلة ستختفى كل المشاكل وتُحَل٬ هكذا ببساطة!.
وهو تصور يرتبط بسردية أخرى أشد خطراً مفادها أن المشكلة هى أصلاً فى الشعب لأنه إما «غير نظيف» بدليل القمامة التى تملأ الشوارع، أو «غير منظم» بدليل الفوضى المنتشرة، أو «غير منتج» وجاهل بدليل تراجع البلاد الاقتصادى، أو «متدهور الأخلاق» بدليل الجرائم المنتشرة. وهو خطاب- بالإضافة إلى كونه استعلائياً ومسطحاً- يهدف أيضاً، وبالأخص، إلى رفع المسؤولية عن كاهل الدولة ومسؤوليها، وكأن الفرق بين مصر والدول المتقدمة يكمن فى طبيعة شعوبهما وليس فى قدرة الدولة على إعمال القانون٬ وتنفيذه على الجميع بلا استثناء، وقدرة النظام السياسى على صناعة أفضل السياسات العامة والاقتصادية لتحسين أحوال الشعب والناس.
لذا، وأخيراً٬ يؤسفنا أن نقول إن إعلام الحوادث هذا لا يعكس فقط تهافت النقاش العام فى مصر، بل أيضاً تنصل الكثيرين من مسؤوليتهم تجاه هذا المجتمع.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع