بقلم - نادين عبدالله
وصلنى هذا التعليق المتميز من أستاذ محمد طنطاوى على مقالى السابق عن «إعلان الفقاعة»، الذى علقت فيه على إعلان إحدى شركات العقارات الذى ظهر فيه نجم الكرة محمد صلاح، وأحب أن أشارككم جزءًا منه فى السطور القادمة.
حقيقةً، لم يأت ذلك الإعلان بجديد. فكثيرون يعرفون تلك الفقاعات والدوائر الكثيرة التى صارت تفصل المصريين، فإذا بهم شعوب وقبائل لها من العادات والتقاليد المهنية والاجتماعية ما يجعلها أقرب إلى عرقيات مختلفة، وإن كانت تشترك فى لون البشرة والرقعة الجغرافية. كذلك، ما يحدث فى مصر هو امتداد لاتجاه عالمى صارت الفقاعات عَرَضًا لأمراض الرأسمالية فى أسوأ صورها، حيث انتشرت الفقاعات الفاخرة فى كثير من الحواضر الكبرى مثل نيويورك، باريس، لندن، برلين... إلخ.
وبالموازاة لهذه الفقاعات، لا يقتصر الهجوم الذى تشيرون إليه، أى هجوم «ولاد الإيه» (أى أبناء الطبقات الاجتماعية الدنيا التى ينظر إليها أبناء طبقات الأعلى بتأفف ومن علٍ) على «ولاد الناس» فى فقاعاتهم، فالهجوم مضاد كذلك فى الاتجاه العكسى، حيث إخلاء المناطق الأثرية والتاريخية والشعبية من سكانها الأصليين لصالح مشروعات تطوير عقارى تستهدف طبقات «ولاد الناس».
لن أعدد أمثلة لا حصر لها فى شرق العالم وغربه بل أكتفى بمنطقة «وسط البلد» فى القاهرة. منذ سنوات ليست بعيدة، كان لمنطقة «وسط البلد» طابع خاص. فبالرغم من تردى أحوال الحى الذى كان راقيًا قبل ثورة 1952 وإلى سنوات قليلة بعدها، كان يمكن لأى زائر تمييز الحى عن أحياء أخرى فى مناطق أخرى.
أما الآن، فنصف ساعة سيرًا على الأقدام كفيلة بكشف المفارقة فى ذلك «الموزاييك» العجيب الذى صارت إليه منطقة «وسط البلد»، فلا هى عادت منطقة راقية بطابع حديث عن طابعها قبل ثورة 1952 ولا هى تردت ترديًا كاملًا إلى منطقة فقيرة، متداعية المبانى، ومتردية الخدمات. فكأن فى منطقة «وسط البلد» حاليًا انعكاسًا لحالة «التردد» الحكومى فى المضى قدمًا فى التطوير الشامل أو القعود عن أى تطوير. من هنا، لا أجد غرابة أن يختلط الحابل بالنابل فى أحياء ومناطق كثيرة فى مصر، حيث تتداخل الفقاعات على نحو مثير يدعو للتأمل.
ختامًا، لا أملك إلا الرجاء- ساخرًا- فى أن يتسع الفضاء العريض لأفراد وجماعات ربما لم تعد الأرض مناسبة لهم لممارسة أبسط حقوقهم فى الاستمتاع بأبسط الأمور دون الشعور بطعنات الآخرين، سواء كانوا «ولاد إيه» أو «ولاد ناس».