بقلم - نادين عبدالله
هو نمط إدارة شركة وليس نمط إدارة دولة. وهو على ما يبدو الشكل الذى اختاره الرئيس الأمريكى لإدارة علاقة بلاده بباقى الدول، وهو ما دل عليه حادث اختفاء (أو ربما مقتل) الصحفى السعودى المعروف جمال خاشجقى. لا نريد الخوض كثيرًا فى هذا الحدث لأنه ثمة أمور غير واضحة حتى الآن٬ إنما ما يعنينا فى هذا المقال هو طريقة تفاعل رئيس الولايات المتحدة معه.
حسبة السياسى تختلف عن حسبة التاجر.. الأول يحسب جميع أبعاد قراراته الاجتماعية والسياسية والدولية، أما الثانى فيكتفى بالربح المادى ويعطيه كل الأولوية. والحقيقة هى أن ترامب يتعامل مع العالم باعتباره شركة كبيرة٬ ومع نظرائه فيه (بل ومواطنيه) باعتبارهم زبائن يقيم معهم علاقات بمنطق المنفعة المباشرة أو يمنعها لو انتفت الأخيرة. فهو لا يعبأ كثيرًا بمظهر الولايات المتحدة كأكبر دولة فى العالم٬ أو بالأعراف الدولية التى تتعدى هذا المنطق الضيق.
وهو ما دللت عليه أحداث عدة منذ توليه سدة الحكم إلى أن ظهر الأمر بشكل مدهش فى قضية خاشجقى. فالأمر الوحيد الذى نال اهتمام الرئيس الأمريكى هو ما ستخسره أمريكا من معاملات تجارية مع المملكة السعودية لو تحدث فى هذا الشأن ليس أكثر على الرغم من حصول خاشجقى على إقامة دائمة فى الولايات المتحدة. بالطبع٬ ليس مطلوبًا من الرئيس الأمريكى أن يتدخل فى أمر أى دولة إلا أن حسبة التفاعل والتصرف من عدمها لابد وأن تبنى على أمرين: أولاً٬ على أساس مدى تهديد الأمر للسلم الدولى باعتبار القنصليات مكانا غير آمن مستقبليًا للمعاملات الدولية. ثانيًا٬ على أساس مدى مساس الأمر بهيبة وسيادة الولايات المتحدة بما أن الحادث يخص مقيما على أرضها. إلا أن جميع هذه الحسابات لم تكن على أجندة الرئيس الأمريكى الذى نظر إلى الأمر بشكل مختزل ومخل٬ ممثلا بذلك نمطًا جديدًا وغريبًا لم تعتده الدول الكبرى لنتائجه الخطيرة ليس فقط على علاقات الدول ببعضها البعض بل أيضًا على علاقات البشر البينية.
فهذا المنطق فى الإدارة إشكالى للغاية على المدى الأبعد لأن «تسليع» العلاقات الدولية هو أول الطريق لسريان «قانون الغابة». لماذا؟ لأن المنطق الحاكم للعلاقات والأعراف٬ بل وحدود المقبول وغير المقبول بين الدول٬ سيتغير٬ هنا٬ من منطق الاعتراف بالقوانين أو المواثيق الدولية الذى ارتضت بها الجماعة الدولية إلى الانصياع إلى منطق «الربحية» المحضة الحاكمة للعلاقات التجارية أو العقارية.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع