بقلم - نادين عبدالله
لو ذهبت إلى أى بلد أوروبى٬ أو حتى بعض الدول العربية٬ ستجد أن المواطن يمكن أن يستمتع بالمساحات العامة: بالشارع٬ بالجنائن٬ بالبحيرات أو الأنهار دون أن يتعرض لتدخل قهرى من قبل الدولة أو إلى تطفل أو تحرش من قبل المواطنين. فهذه المساحات العامة تتحول يوميًا إلى واحات للفنون والمتعة الخالية من الرقابة وتعكير المزاج. فى الشوارع أو الميادين الكبرى أو الجنائن٬ كثيرًا ما تجد فرقا فنية من المبتدئين تغنى٬ أو تقدم عروضا راقصة هنا أو هناك؛ فيتجمهر حولها بعض المهتمين لبضع دقائق ثم ينطلقون فى طريقهم تاركين المكان لآخرين وهكذا...المتعة والفن للجميع.
أما الشرط الوحيد والأساسى فهو ألا تعطل مثل هذه الأنشطة سير المرور أو غيره من المصالح. فالأصل هو أن المجال العام مساحة للمواطن يستمتع بها٬ ويشعر بملكيته لها؛ وليس للدولة أن تتدخل بدعوى مخاوف أمنية مبنية على أن مجرد تجمهر الناس٬ حتى ولو لأسباب فنية أو اجتماعية٬ هو مصدر تهديد. فالتجمع٬ بالنسبة للدولة فى مصر٬ مخيف فى ذاته٬ وغير مقبول من الأصل.
والحقيقة هى أن الأمر لا يقتصر على الدولة فقط بل على المواطنين أيضًا. فالتطفل على أى مجموعة تستمتع بمثل هذه المساحات العامة فى الجنائن أو أمام النيل أمر معتاد. ويزداد الأمر سوءًا لو كانت امرأة. فالشارع ليس من حقها٬ كما ليس من حقها أن ترتدى ما تريد فيه. فهل يمكن أن تتجول أى امرأة فى شارع من شوارع المحروسة فقط كى «تشم شوية هواء» أو كى ترفه عن نفسها دون أن تتعرض للمعاكسات؟ وهل يمكن لها أن تجلس فى أى مساحة عامة مثل الجنائن أو غيرها فقط لتغيير الجو كما تفعل النساء فى دول أخرى دون أن يتحرش بها أحد؟ وهل يمكن لها أن تقف فى الشارع أو فى مكان عام لبضع دقائق فى انتظار صديق أو صديقة أو وسيلة مواصلات دون أن يتطفل عليها أحدهم ويتحرش بها؟ بالطبع٬ الإجابة بالنفى. فهذا الحق موكل فقط للرجال أما النساء فعليهن تحمل المعاكسات أو التحرش أو التطفل٬ فقط لو تجرأن واعتقدن أن لهن حق مشاركة هذه المساحات؛ ولنا هنا فى قصة فتى التجمع ألف دليل وبرهان.
للأسف٬ مساحات مصر العامة محتكرة٬ وهو أمر له نتائج أسوأ مما يتخيل البعض؛ لأنه ببساطة ينتقص من شعور الكثيرين بالملكية٬ وبالتالى الانتماء.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع