بقلم : أمينة خيرى
ما الذى يشغل بال المصريين؟ وهل الموضوعات التى تكون محور النقاش فى الميكروباص أو فى المقهى أو بين زملاء العمل وبعضهم البعض هى بالضرورة «الأكثر قراءة» فى الصحف، والأعلى مشاهدة على «يوتيوب» وهاشتاجات «تويتر» الأكثر ذيوعاً والأعلى صراخاً على شاشات التوك شو؟ وإن حدث بالفعل وعكس محاور النقاش تأثراً بما يشاهدون ويقرأون، ما درجة اقتناعهم بالرؤى والنظريات والتحليلات التى يتجرعونها؟ بالطبع الوجبة الإعلامية بشقيها التقليدى (الصحف ومواقعها والبرامج التليفزيونية ومقاطع الفيديوهات على الإنترنت وغيرها)، وغير التقليدى (فيس بوك وتويتر وإنستجرام وغيرها) تشكل جزءاً غير قليل من آرائهم سلباً أو إيجاباً، ووعيهم الصحى وغير الصحى، وثقافتهم الصحيحة والخاطئة.
بالطبع هناك فرق كبير بين ما نود أن يشغل بال المصريين، أو ما يفترض أن يشغل بالهم فى حال كان الجميع على القدر نفسه أو متقارباً من التعليم والوعى والثقافة والقدرة الاقتصادية. وهناك فرق كبير أيضاً بين «التريند» سواء كان مفتعلاً، أى تمت صناعته بأدوات يعرفها كل ضليع أو نصف ضليع فى شئون منصات التواصل الاجتماعى، أو طبيعياً أى فرض نفسه لأنه مهم أو مثير.
قياسات واستطلاعات الرأى العام الحقيقية، أى تلك التى تقيس توجهات الناس وآراءهم ومواقفهم عبر عينة ممثلة وليست مجتزأة أو مجتزئة، وتتبع معايير قياس الرأى العام وليس الخاص أو المحدود، بالغة الأهمية. والاعتماد على تحليل أو قياس ما يدور فى أرجاء منصات التواصل الاجتماعى من تدوينات وتغريدات يفترض أن تحمل آراء وتوجهات الناس هو أشبه بمزيد من الإغراق فى رمال «السوشيال ميديا» المتحركة.
«السوشيال ميديا» تصنع جانباً من وعى الناس، شئنا أو أبينا، سواء كان هذا الوعى إيجابياً أو سلبياً. وعلى غرار أيهما جاء أولاً، البيضة أم الدجاجة، فإن إهدار الوقت فى معرفة أصل خليقة الرأى العام، هل تم توجيهه من قبَل محتوى «السوشيال ميديا»، أم أن «السوشيال ميديا» تنضح بما يشغل بال الناس وتفكيرهم، لن يجدى كثيراً الآن.
هى معضلة، أو فلنقل ظاهرة عالمية. ليست حكراً على بلد دون آخر أو شعب دون غيره، لكن الفرق الحقيقى يكمن فى درجات الوعى والثقافة والقدرة على إعمال العقل والتدقيق من قبَل المواطنين العاديين فيما يعرض عليهم سواء على منصات الإعلام التقليدى أو «السوشيال ميديا».
باغتتنى عاملة نظافة خمسينية حاصلة على درجة الدبلوم وعلى قدر معقول جداً من الخبرة الحياتية قبل أيام بسؤال «تقريرى». قالت: «بيقولوا هيلغوا وزارة التموين ووزارة الصحة؟!»، «بيقولوا» بالطبع تعود إلى صناع محتوى «تيك توك» والفيديوهات بأنواعها المختلفة على الإنترنت. سألتها بدورى: «وما قالوش حاجة عن إلغاء وزارة التربية والتعليم؟»، نزل الرد كالصاعقة: «مش مهم التعليم. إحنا دلوقتى فى التموين والصحة. هنعمل إيه بعد ما يتلغوا؟».
هذا الحوار نخرج منه بنقاط عدة ربما تكون جديرة بالاهتمام: المصدر الرئيسى للأخبار هو «السوشيال ميديا». جانب معتبر من الأخبار «الوردية» فى وسائل الإعلام التقليدية يتبخر فى الهواء. الأكل والشرب والعلاج هى الشغل الشاغل، أما التعليم فله رب يحميه. وعى المستخدم العادى للإنترنت فى التدقيق والتحقق أقرب ما يكون إلى الصفر. تخصيص قطاع لتفنيد الأخبار الكاذبة ليس الحل. هؤلاء يقولون، وأولئك يحللون، والله يفعل ما يشاء.