بقلم : أمينة خيرى
كانت النية أن أكتب مجددًا عن معركة الوعى، وهى المعركة الباقية معنا لسنوات كثيرة قادمة. الميزة فى هذه المعركة أنها بلا عنف أو دماء. على الأقل مجرياتها لا تتسبب فى خسائر فى الأرواح، وإن كان تجاهلها واعتبارها رفاهية أو غير ذات أولوية ينجم عنها الكثير من العنف والدماء بطرق عديدة غير مباشرة.
وفى ضوء مجريات مباراة مصر والسنغال أمس الأول، وجدت أن ما نتج عن المباراة من ردود فعل بيننا وثيق الصلة بمعركة الوعى ويحتم التطرق إليها الآن وليس غدًا.
أن نشعر بالحزن والألم، بل كذلك الغضب، لأننا لم نفز فى مباراة مهمة كهذه أمر طبيعى ومتوقع، بل مطلوب.. لكن أن نقرر أن نخبط الكرسى فى الكلوب ونصيب الجميع ما بين لاعبين ومشجعين وقابعين فى بيوتهم أمام شاشاتهم بشظايا واتهامات، فهذا ليس طبيعيًا أو مطلوبًا، وإن كان متوقعًا فى ضوء ما أصابنا فى العقود الأخيرة من عوار أخلاقى وسلوكى وتعليمى وتربوى.
وهذا العوار لم يفلح التشدد الدينى المظهرى أو «الطقسى» (المعتمد والمكتفى بالطقوس) فى التخفيف منه أو حتى تمويهه، بل زاده، لأن هذا التشدد يعطى صاحبه إحساسًا كاذبًا بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما هو عليه. خذ عندك مثلًا لاعبنا الأيقونى محمد صلاح، هو بشهادة العالم ضمن الأفضل، إن لم يكن الأفضل، وهو بشهادة القاصى والدانى مثالٌ يحتذى فى السلوك والبشاشة والأخلاق والقدرة على تنمية الذات والإمكانيات والمَلَكات والموهبة.
يوم نرفعه سابع سماء، واليوم التالى نخفس به سابع أرض. العجيب والغريب والمريب أن بين الرافعين والخافسين من يعلم تمام العلم أن الألعاب الرياضية الجماعية لا تعتمد على لاعب واحد، مهما كان هذا الشخص عبقريًا وفذًا و«ماجابتوش ولادة».
والغريب كذلك أن الجميع على دراية بأن لدينا مشكلات عديدة فيما يتعلق بكرة القدم المصرية وأجهزتها ورؤاها، وهى المشكلات التى ستنعكس بشكل أو بآخر على أى لاعب وأى فريق.. لذلك فإن تحميل اللاعبين وحدهم مغبة الهزيمة هو قِصَر نظر.
ومنطقى ومفهوم ومطلوب أن نغضب من سوء إدارة الطرف السنغالى لمجريات المباراة، حيث الليزر المسلط بجنون على اللاعبين المصريين، والزجاجات الملقاة عليهم، وغيرهما، واستمرار المباراة فى هذه الأجواء.
مفهوم أن ينجم عن الغضب ردود فعل مختلفة، بعضها يكون حاميًا أو مشتعلًا، لكن أن يقوم الغاضب بهد المعبد على رأسه ورؤوس من حوله حتى ينفس عن غضبه، فإن هذا يعنى أن الـ«هوليجانز» Hooligans، أى مشجعى الكرة الذين يلجأون للعنف بأشكاله فى إطار تشجيعهم لفرقهم ليسوا حكرًا على الظاهرة الإنجليزية.
صحيح أننا، ولله الحمد، لم ننتهج العنف الجسدى فى المباراة المذكورة، لكن التطرف الشديد والإصرار على عدم إعمال العقل والإغراق فى البحث عن كباش فداء وترك أصل المشكلة بلا حلول جذرية يعنى أن معركة الوعى حتمية.