بقلم : أمينة خيري
ما جرى في مصر خلال الأيام القليلة المقبلة من «تخليق» هجمة و«تصنيع» احتقان ضد السوريين المقيمين في مصر، وغالبيتهم المطلقة ليست مصنفة «لاجئين»، ينبغى أن يفتح الباب للتفكير في مستقبل من نزحوا خارج سورية
منذ اندلاع الأحداث.
وإذا كانت الدول المعنية والدول المهتمة بسوريا (لأسباب مختلفة لا تمت بصلة لسواد عيون سوريا أو رهافة قلوبها تجاه السوريين) غرقت حتى الثمالة على مدى السنوات الماضية في هوامش الأزمة، فإن الوقت قد حان للالتفات إلى الأزمة نفسها. فبين عقد مؤتمرات أممية لتوفير الدعم المادى اللازم لإعاشة اللاجئين في المخيمات في دول الجوار، والتأرجح بين فتح الأذرع تحت بند الإنسانية وسياسة «الباب المفتوح» للجموع التي دقت أبواب دول غربية، وتنظيم فعاليات لدرء خطر الجموع نفسها، وذلك بعدما انتهت فترة الاستغلال السياسى والتكتيكى للمشاهد اللاإنسانية بين الرضيع «إيلان»، الملقى على الشاطئ، والشابة يسرا ماردينى، بطلة السباحة، وغيرهما، لم تتطرق الغالبية لما بعد انتهاء الصراع.
السوريون يشكلون اليوم ثلث عدد اللاجئين والنازحين في العالم. ويكفى مثلاً أن ما يزيد على أربعة في المائة من سكان تركيا باتوا سوريين، وهو ما يعنى تغيرات سياسية وديموغرافية ضخمة لن تظهر آثارها اليوم أو غدًا، لكنها ستبقى معنا لعقود وربما قرون. وتركيا- وإن كانت تستضيف العدد الأكبر- لكنها ليست وحدها التي باتت تحوى مكونًا سكانيًا ذا صفات ومتطلبات مختلفة.
وحين ينزح نحو 13 مليون مواطن سورى يشكلون نحو 60 في المائة من تعداد سوريا قبل الأحداث الدامية (ستة ملايين منهم نزحوا داخليًا)، فإن هذا يعنى الكثير ويستدعى التخطيط. والسؤال هنا لا يدور حول مستقبل اللاجئين أو النازحين السوريين في مصر أو لبنان أو ألمانيا أو تركيا، لكنه ما هو مستقبل أكثر من نصف التعداد السورى الذي نزح أو لجأ أو هاجر أو استقر هنا وهناك؟ وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لسوريا الدولة؟
لا أتحدث هنا عن السياسة، وإن كان الرئيس بشار الأسد باقيًا أو راحلاً، أو كانت «المعارضة المعتدلة المسلحة» أو «الميليشيات الإسلامية المتقاتلة» أو «البقايا الداعشية المشتتة» أو «المجموعات المقاتلة المحسوبة على دول هنا وهناك» ستنشط سياسيًا، وما إلى ذلك من ملفات وقضايا ستظل تشغل المنظمات الأممية والقوى الدولية والدول الإقليمية. لكن ماذا عن المكون البشرى لسوريا؟ وما مصيره؟
هل تعود النسبة الأكبر من النازحين إلى ديارها بعد هدوء الأوضاع؟ أم تعود النسبة الأصغر؟ وكيف يؤثر ذلك على كيان ومصير الدولة؟ هل يتحول السوريون إلى قصة شتات جديدة تضاف إلى الشتات الفلسطينى نغنى لها ونبكى عليها عقودًا إلى أن يظهر شتات جديد؟ وهل تدشن المنظمات الأممية جناحًا جديدًا يعنى باللاجئين السوريين مثل «أونروا»؟ وهل العالم لديه آلية للاستماع إلى النازحين السوريين أنفسهم وعن خططهم وأحلامهم للعودة أو عدم العودة؟!