توقيت القاهرة المحلي 07:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البهجة واللحمة

  مصر اليوم -

البهجة واللحمة

بقلم : أمينة خيري

قليل من البهجة لا يضر، وقدر ولو ضئيلا من غذاء الروح لا يجور على غذاء المعدة. ومثلما تتصارع الجمعيات وتسارع المؤسسات لجمع التبرعات بالملايين وربما المليارات من أجل شراء «اللحمة» للفقير، وتوفير الشاى والزيت والسكر لمتواضعى الحال، وعلاج الأجساد العليلة بالدواء، عليها أن تلتفت كذلك إلى بث قدر من البهجة ومعها قدر من التنوير فى نفوس القطاعات المُصنَّفة «فقيرة» أو «الأكثر احتياجًا».

احتياجات البشر معروفة ولا تحتاج اجتهادًا وسفسطة. الاحتياج الرئيسى والبديهى فسيولوجى بحت، ألا وهو الأكل والشرب والدفء والراحة. ثم تأتى قوائم أخرى من الاحتياجات تختلف فى أولوياتها باختلاف الثقافات، فهناك الحاجة إلى الأمن والأمان، والعلاقات الوثيقة مع الآخرين، والشعور بالقيمة والمكانة، والإحساس بين الحين والآخر بالبهجة.

البهجة تثير فى ثقافتنا مشاعر متضاربة، فهناك الممسكون بتلابيب البؤس والتراجيديا. ويبدو ذلك واضحًا جليًا فى عشق مصرى أصيل لمسلسلات النكد ومشاهد المعاناة والألم. وهناك مَن صاروا يعتبرون البهجة حرامًا والاستمتاع رجسًا من عمل الشيطان، وهؤلاء هبُّوا علينا من كل فج عميق على مدار العقود الخمسة الماضية، تارة مرتدين عباءة الدين وأخرى ناقلين إلينا ما اكتسبوه من ثقافات مغايرة ترتدى هى الأخرى العباءة نفسها. نفس المنطق الذى يحرم البهجة ويجرمها يعتنقه آخرون لا يرون فى احتياجات الفقراء إلا كيلو لحمة وكيس سكر وكرتونة بيض. هذه الاحتياجات لا ريب فى أهميتها ومركزيتها وبديهيتها. لكن القول إن ضيق ذات اليد يجعل من البهجة رفاهية استفزازية هو الضلال بعينه. وقد رأيت بنفسى البهجة العارمة التى تتسلل إلى حياة أطفال الشوارع الذين مارسوا المصارعة الرومانية بمساعدة من إحدى الجمعيات قبل سنوات. العديد منهم انقلبت حياته رأسًا على عقب إيجابيًا. كما رأيت ما لا يمكن ترجمته إلى حروف وكلمات حين تهدى شخصًا ما أقل حظًا وزوجته تذكرتى سينما أو عرضًا مسرحيًا شبابيًا، أو دعوتين لدخول نادٍ رياضى واجتماعى، أو تدعمه لقضاء يوم مع أسرته فى حديقة عامة أو ما شابه.

بالطبع سترتفع الأصوات المُندِّدة والعقول الساخرة: كيف لمَن يجد صعوبة فى تأمين قوت يومه أن يفكر فى الترفيه؟!، الأَوْلَى أن تقدم له إما معونة مادية أو تشترى له كيلو لحمة. لكن كم من أرواح ماتت بسبب جفافها وجفائها. وكم من عقول تنورت وتفتحت بعد طول ظلام وكآبة بفعل ساعتين من البهجة والتنوير!.

وللعلم، فإن إحدى الطرق غير المباشرة للتنوير ورفع الصدأ الذى لحق بالعقول والقلوب وتطهير الهسهس المرتدى عباءة الدين هى بث البهجة فى القلوب والعقول عبر الثقافة والسينما والمسرح والطبيعة والهواء الطلق والرياضة.

وكما أن اللحمة والسكر والزيت غذاء البطون وضرورة لبقاء الجسد على قيد الحياة، فإن قليلًا من البهجة والتنوير ضرورة أيضًا لبقاء الروح مع الجسد. وأحدهما لا يلغى الآخر. وللعلم والإحاطة، فإن رافعى رايات وشعارات «سندوتش جبنة أفضل من بناء طرق وتشييد مدن» لم يصلوا إلى هذه القدرة على التنظير دون قدر من البهجة والثقافة فى حياتهم.

المصدر :

المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البهجة واللحمة البهجة واللحمة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon