توقيت القاهرة المحلي 18:44:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البهجة واللحمة

  مصر اليوم -

البهجة واللحمة

بقلم : أمينة خيري

قليل من البهجة لا يضر، وقدر ولو ضئيلا من غذاء الروح لا يجور على غذاء المعدة. ومثلما تتصارع الجمعيات وتسارع المؤسسات لجمع التبرعات بالملايين وربما المليارات من أجل شراء «اللحمة» للفقير، وتوفير الشاى والزيت والسكر لمتواضعى الحال، وعلاج الأجساد العليلة بالدواء، عليها أن تلتفت كذلك إلى بث قدر من البهجة ومعها قدر من التنوير فى نفوس القطاعات المُصنَّفة «فقيرة» أو «الأكثر احتياجًا».

احتياجات البشر معروفة ولا تحتاج اجتهادًا وسفسطة. الاحتياج الرئيسى والبديهى فسيولوجى بحت، ألا وهو الأكل والشرب والدفء والراحة. ثم تأتى قوائم أخرى من الاحتياجات تختلف فى أولوياتها باختلاف الثقافات، فهناك الحاجة إلى الأمن والأمان، والعلاقات الوثيقة مع الآخرين، والشعور بالقيمة والمكانة، والإحساس بين الحين والآخر بالبهجة.

البهجة تثير فى ثقافتنا مشاعر متضاربة، فهناك الممسكون بتلابيب البؤس والتراجيديا. ويبدو ذلك واضحًا جليًا فى عشق مصرى أصيل لمسلسلات النكد ومشاهد المعاناة والألم. وهناك مَن صاروا يعتبرون البهجة حرامًا والاستمتاع رجسًا من عمل الشيطان، وهؤلاء هبُّوا علينا من كل فج عميق على مدار العقود الخمسة الماضية، تارة مرتدين عباءة الدين وأخرى ناقلين إلينا ما اكتسبوه من ثقافات مغايرة ترتدى هى الأخرى العباءة نفسها. نفس المنطق الذى يحرم البهجة ويجرمها يعتنقه آخرون لا يرون فى احتياجات الفقراء إلا كيلو لحمة وكيس سكر وكرتونة بيض. هذه الاحتياجات لا ريب فى أهميتها ومركزيتها وبديهيتها. لكن القول إن ضيق ذات اليد يجعل من البهجة رفاهية استفزازية هو الضلال بعينه. وقد رأيت بنفسى البهجة العارمة التى تتسلل إلى حياة أطفال الشوارع الذين مارسوا المصارعة الرومانية بمساعدة من إحدى الجمعيات قبل سنوات. العديد منهم انقلبت حياته رأسًا على عقب إيجابيًا. كما رأيت ما لا يمكن ترجمته إلى حروف وكلمات حين تهدى شخصًا ما أقل حظًا وزوجته تذكرتى سينما أو عرضًا مسرحيًا شبابيًا، أو دعوتين لدخول نادٍ رياضى واجتماعى، أو تدعمه لقضاء يوم مع أسرته فى حديقة عامة أو ما شابه.

بالطبع سترتفع الأصوات المُندِّدة والعقول الساخرة: كيف لمَن يجد صعوبة فى تأمين قوت يومه أن يفكر فى الترفيه؟!، الأَوْلَى أن تقدم له إما معونة مادية أو تشترى له كيلو لحمة. لكن كم من أرواح ماتت بسبب جفافها وجفائها. وكم من عقول تنورت وتفتحت بعد طول ظلام وكآبة بفعل ساعتين من البهجة والتنوير!.

وللعلم، فإن إحدى الطرق غير المباشرة للتنوير ورفع الصدأ الذى لحق بالعقول والقلوب وتطهير الهسهس المرتدى عباءة الدين هى بث البهجة فى القلوب والعقول عبر الثقافة والسينما والمسرح والطبيعة والهواء الطلق والرياضة.

وكما أن اللحمة والسكر والزيت غذاء البطون وضرورة لبقاء الجسد على قيد الحياة، فإن قليلًا من البهجة والتنوير ضرورة أيضًا لبقاء الروح مع الجسد. وأحدهما لا يلغى الآخر. وللعلم والإحاطة، فإن رافعى رايات وشعارات «سندوتش جبنة أفضل من بناء طرق وتشييد مدن» لم يصلوا إلى هذه القدرة على التنظير دون قدر من البهجة والثقافة فى حياتهم.

المصدر :

المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البهجة واللحمة البهجة واللحمة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة
  مصر اليوم - مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon