بقلم : أمينة خيري
أفهم تمامًا أن نستفسر من مشايخنا الأجلاء عن حكم فريضة الحج لمَن كان مقتدرًا ولكنه مريض، أو مَن كانت لديه موانع تعوقه عن الصيام، أو قنوات الزكاة والصدقات... إلخ، لكن أن أهرع، سواء فردًا أو إعلامًا أو مؤسسات، لسؤال علمائنا الأجلاء عن رأيهم فى نتيجة الامتحان، أو دخول الحمام، أو وضع نقطة بدلًا من نقطتين من قطرة العين، فهذا يكون دفعًا وتأييدًا وتعضيدًا للدولة الدينية على حساب المدنية.
الدولة المدنية لا تهرع إلى علماء الدين لسؤالهم عما إذا كان تطبيق «فيسبوك»، الذى يغير ملامح الوجه فيجعلها أصغر أو أكبر سنًا أو يضيف لها مساحيق تجميل أو ما شابه، حرامًا شرعًا!، ومواطنو الدولة المدنية لا يهرعون إلى سؤال علمائهم عن حكم الدين فى تشجيع فريق رياضى لا يعتنق أفراده الإسلام. ومَن يربط بينهم عقد اجتماعى قائم على دولة مدنية فعلية لا ينعتون المعترض على كتابة عبارات دينية على جدران المبانى وأعمدة الكبارى ومداخل الوزارات بـ«عدو الله» أو «كاره الدين».
واليوم الذى تعود فيه مصر إلى ما كانت عليه قبل غزوة التدين الصوتى والمظهرى- وقت كانت متدينة بأخلاق وسلوكيات راقية، وممارِسة للشعائر دون تعليق لافتة: «بصوا أنا مؤمن إزاى»، ومتمسكة بتلابيب دينها دون حاجة إلى دعاة جدد أو مشايخ متلونين أو قنوات مخصصة للفتاوى العجيبة والمثيرة، ومحترِمة للمرأة باعتبارها كائنًا آدميًا وليس شهوات جنسية تتحرك على قدمين- سنعلنها بعلو الصوت أن مصر مازالت على قيد الحياة.
الحياة بتفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة، التى اعتمدت موجة التدين الصوتى والمظهرى على تحريم أغلبها، وترهيب الملايين فى مباهجها، وزرع أفكار غريبة قوامها أن الدين عسر، وكلما عانى الشخص فى حياته وصعّب وضيّق على نفسه ومَن معه معاشهم كان إلى الله أقرب ومن الجنة أوثق.
الثقة المتناهية- التى يتحدث بها العامة عن «الجنة» باعتبارها ليست فقط حكرًا على أتباع دين بعينه، لكنها درجات بحسب درجة اتباع الشخص للموجة الجديدة من هذا التدين الصوتى المظهرى- صنعت هذا المسخ الأخلاقى والسلوكى الذى نعيشه على مدار اليوم. تدين فطرى يدعم التحرش ضمنيًا، انهيار عصبى لرؤية شعر المرأة، بينما لا تهتز شعرة لمعايشة تلال القمامة المنتشرة فى كل ركن، صورة بروفايل أثناء الصلاة، وتدوينات لا تخلو من شتائم وسباب يعاقب عليه القانون، وكذلك الشرع، تضخم فى أعداد المدارس الدينية، وتدنى مستوى سلوكيات الصغار بشكل مرعب، دق على أوتار ما يجب على المسلم أن يرتديه ويقوله ويُظهِره، بل وجوب تدخله فى شؤون الآخرين بدافع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
نحلم بيوم من أيام مصر الملتزمة بمعايير ما قبل سبعينيات القرن الماضى.