بقلم : أمينة خيري
الخدمات تقدم بمقابل، وزمن المجانى انتهى، ومن يبتغى طريقًا ممهدًا مزوداً بخدمات أو الحصول على مستندات حكومية دون ساعات انتظار وتعذيب مدام عفاف وتعقيد أستاذ رشاد أو إصدار رخصة بدون كرمشة 100 جنيه تحت الدوسيه، عليه أن يسدد قيمة الخدمة.
استقطاع المزيد من الضرائب من الدخل، وفرض ضرائب جديدة، واستحداث ضرائب فريدة، وزيادة قيمة الكهرباء والماء والغاز والمحروقات وغيرها من الزيادات التى تلتهم جانباً غير قليل من الدخول جعل كثيرين ينتظرون بفارغ الصبر التحسن المنشود فى تقديم الخدمة. تقديم الخدمات فى مصر مشكلة تاريخية ثقافية أزلية. صحيح أنك تجد الموظف الحكومى قابعًا فى مكتبه، لكنه إما عبوس وشه يقطع الخميرة من البيت، أو متكاسل يكره عمله ويكرهك، أو يصلى الفرض والسنن مما لا يترك وقتًا للعمل، أو يعتقد أن على المواطن أن يسدد له ثمن المعاملة ليثرى راتبه. وصحيح أنك تجد الشرطة فى الشوارع والميادين، لكن الشوارع والميادين تضرب تقلب، حيث يسير التوك توك مع التروسيكل مع السائرين عكس الاتجاه، والجميع يعيش فى تناغم دون منغصات أو توقيفات.
وصحيح أنك تجد النظام وقد أصبح مميكنًا فى نسبة كبيرة من المصالح الحكومية، لكن «السيستم» واقع أو «مهنج» أو يحتاج ساعة ليشم نفسه ويستعيد وهجه. ومظاهر التحديث والتحسين كثيرة فى بلدنا الحبيب. وناكرها أشبه بمن يأكل وينكر ولا خير فيه أو طائل منه. لكن المواطن يحتاج حدًا أدنى من الجودة فى تقديم الخدمة. وكون الكثيرين يعتقدون- بحكم التاريخ الطويل من تدنى جودة الخدمات والطريقة المقدمة بها- أن الخدمة يجب أن تٌقدم بعبوس، أو بفوقية يبثها مقدم الخدمة، أو بإتاوة يفرضها الموظف نظير تقديمها بأقل تعذيب ممكن، وتسرب هذا الاعتقاد حتى أصبح أمرًا واقعًا عاديًا قلما يثير الغضب والاشمئزاز ليس ذريعة لاستمرار سوء المعاملة وتدنى المستوى. مستوى الثقافة المرتبطة بمجال الخدمات عمومًا فى مصر ضعيف إلى حد كبير. تدخل مطعمًا 17 نجمة، فتجد النادل يحدثك من طرطوفة أنفه، أو تستقل الطائرة متوجهًا إلى دولة ما فتنظر إليك المضيفة باشمئزاز وقرف، تدخل على الموظف وتلقى عليه السلام فينظر إليك من فوق لتحت دون أن يرد، وهلم جرا.
وإذا كانت هذه الثقافة تحتاج توعية وتعليمًا وإجبارًا فى مرحلة لاحقة، فإن رفع الدعم عن الخدمات التى كان يتلقاها المواطن ومضاعفة قيمة البعض الآخر منها، يجعلنا نطالب بالفم المليان بجودة من الألف إلى الياء. وهذه الجودة تبدأ بطريقة تقديم الخدمة حيث يتحتم على موظف تحصيل الرسوم على البوابة يقابلك بابتسامة ويودعك بتمنى السلامة، وتمر بتقديمها دون انتقاص حيث مراقبة السرعات وتثبيت الكاميرات والرادار وتواجد خدمات الإسعاف، وتنتهى بتقييم المواطن للخدمة تصحيحًا للأداء وتحسينًا للمستوى. وهذا أقل واجب من الحكومة لنا.