توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة

  مصر اليوم -

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة

بقلم : أمينة خيرى

ما الخبر الأكثر قراءة اليوم؟ هل هو تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض وتوقع القادم الأسوأ؟ أم اتهامات المطربة شيرين لزوجها أو طليقها حسام حبيب وهجومها على الراحل حسن أبوالسعود؟

وما التريند الأكثر رواجاً اليوم؟ هل هو الصورة الأحدث المرعبة التى نقلها لنا تليسكوب «جيمس ويب» وتحمل شكل زوبعة شديدة الشبه مع مجرة درب التبانة التى يوجد فيها كوكبنا العزيز كوكب الأرض؟ أم هى فتوى رداً على سؤال من رجل متزوج من ابنة خاله ويرغب فى الزواج بابنة خالته، ويسأل عن حكم الجمع بين زوجته وابنة عمتها؟

وما الموضوع الأكثر تداولاً على «فيسبوك» اليوم؟ هل هو مستقبل التعليم فى مصر بعد خمس سنوات، ومخرجاته التى ستُحدد شكل مصر ومكانتها العلمية والاقتصادية، ومن ثم السياسية والاستراتيجية؟ أم أنها رأى رجل دين فاضل درس الفقه والشريعة فأفتى فى أدق تفاصيل الحمض النووى الريبوزى منقوص الأكسجين الذى هو جزيئات دقيقة معروفة باسم الأحماض النووية وتحتوى على الشفرة الوراثية الفريدة بكل شخص وتنتقل تعليماتها من الوالدين إلى الأبناء الذين يحصلون على نصف حمضهم النووى من الأب والنصف الثانى من الأم، والذى يسميه أهل الطب والبحث العلمى «دى إن إيه»، فقال العالم الفاضل إنه (بناءً على دراسته للفقه المقارن والشريعة) لا يعترف بتحليل هذا الـ«دى إن إيه»، وإن الزوجة إذا حملت وهى فى عصمة رجل، يكون المولود لهذا الرجل بغض النظر عن الـ«دى إن إيه» أو غيره؟

هل «الخبر الأكثر قراءة» و«التريند الأعلى تداولاً» والموضوع الأكثر جدلاً ونقاشاً على «فيسبوك» هو حقاً الجدير بأن يشغل بالنا ويشكل وعينا؟ أو هل هو بالفعل ما يشغل بالنا ويشكل وعينا، وبالتالى بات الأكثر قراءة والأعلى متابعة وتريند؟

وسواء كانت الإجابة هذه أو تلك، الواضح والمؤكد أن الفتاوى العجيبة وفضائح الفنانين والبوركينى الحائر والبيكينى الجائر وتفاصيل الملابس التى كانت ترتديها الفتاة وقت ذبحها فى وضح النهار والإعلان عن أن الملائكة لا تدخل البيت الذى فيه خلافات زوجية وغيرها تهيمن على الغلاف الجوى المحيط بكوكب مصر.

هذا الغلاف عجيب غريب، تخاله ملتزماً إلى حد التزمت مرة، ثم يفاجئك بانفلات يصل إلى درجة الانحلال أحياناً. وفجأة يرتدى رداء الحكمة والموعظة ويكاد لا ينزل من على المنبر. صباح اليوم التالى، تجده فى شوارع وميادين التواصل الاجتماعى يهبد هبداً ويرزع رزعاً من أقصى اليمين إلى آخر اليسار.

ليس متوقعاً أو مطلوباً أن يكون المجتمع -أى مجتمع- متطابقاً أو مستنسخاً، وإلا سنكون كالجماعات الدينية التى تعمل على تخليق كوكب يرتدى زياً واحداً ويؤمن بنسخة واحدة من الدين ويتفوه بالكلام نفسه ويُقبل على الفعل ذاته. المنطقى أن يكون لكل مجتمع ملامح عامة ومعالم يمكن وصفها، تعكس توجهات وأيديولوجيات مختلفة أغلبها قابل للنقاش والاختلاف والاتفاق. أما أن يكون جميعها مخلقاً من الخبر الأكثر قراءة والتريند الأكثر تداولاً، فهذا فيه خطر داهم. لماذا؟ لأنه لا يعكس ماهية المجتمع أو مشكلاته أو احتياجاته أو حتى طموحاته. والأدهى من ذلك، أنه يغرقه فى بالوعة افتراضية يصعب الخروج منها.

وقد يُهيأ للمجتمعات الغارقة فى البالوعات الافتراضية أن خناقات الفنانين بالفعل هى أهم حدث اليوم، أو أن مشكلة الرجل الذى يرغب فى الجمع بين زوجته التى هى ابنة خاله وابنة عمتها التى هى أيضاً ابنة خالته مشكلة كونية يتوقف عليها مصير النكاح فى العالم ومن ثم مآل الجنس البشرى.

وربما ينصاع المجتمع لموقف رجل الدين الدارس لعلوم الفقه والشريعة، الرافض لعلوم الفيزياء والكيمياء والطاقة النووية والتكنولوجيا الحيوية والطب والصيدلة الإكلينيكية، ويعتقد أن مجالى العلوم يتناقضان، وذلك تحت وطأة اختيارات النقاش العنكبوتى. يحدث كل هذا فى كوكب مصر.

كوكب مصر يحتاج إلى مجلدات كثيرة لدراسته وفهم أغواره والتنبؤ بتحركاته. نُردد على مدار العقد الماضى عبارات عبقرية مثل «معركة الوعى» و«بناء الإنسان» و«مخرجات التعلم» و«الإنسان قبل الحجر أو معه أو أثناءه» وغيرها كثير. لكن ترديد العبارات لا يغنى عن جزئية تنفيذها.

والتنفيذ لا يقتصر على دور الدولة، بل على سكان كوكب مصر كذلك -أو على الأقل الجزء الذى يعى أن هناك مشكلة فى تشكيل الوعى ومحتواه وأولوياته- أن يبذلوا جهداً فى تعديل مسار الوعى فى حال ثبت أنه يحتاج تعديلاً، وذلك كلٌّ فى مجاله.

لكن أن نقف وقفة رجل واحد من أجل مناهضة أى تطوير فى التعليم، وتحديث طرق تطبيق القوانين، وتطهير ما علق بخطاب وفتاوى دينية طرحتنا أرضاً، وتجديد ما أوشك على التهاوى والتحلل من عادات وأفكار مثل زواج الطفلة، وختان البنات، وضخ العيال لتسريحهم فى التسول وقيادة التكاتك للخروج من دائرة الفقر الضيقة إلى دائرة الفقر الأوسع، حيث توريث الغلب والإبقاء على حلقة البؤس محكمة الإغلاق وغيرها، فهذا يعنى أننا سنبقى فى رمال «الأكثر قراءة» و«الأعلى تريند» المتحركة. تبتلعنا ونبتلعها ونهوى معاً يداً بيد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon