توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللهم بلغنا آخر الحلقة!

  مصر اليوم -

اللهم بلغنا آخر الحلقة

بقلم : أمينة خيري

 تظل الشاشة الفضية تشكل مكونًا رئيسيًا من مكونات رمضان. صحيح أن ترشيد استخدامها أمر مطلوب، وإدماج أنشطة أخرى فى الشهر الكريم من عمل وعبادة وتواصل اجتماعى وسبل ترفيه أخرى مرغوب، لكنها تظل فى قلب كل بيت مصرى.

لكن تشويه محتوى ما تقدمه الشاشة بهذا الشكل أمر فريد مريب فى زمن عجيب. صحيح أن الجميع أيقن أن رمضان موسم استرزاق حيث تنتعش سوق الإعلانات وتزدهر تجارة الدقائق على الأثير، لكن «ربنا عرفوه بالعقل».

وأين العقل فى مسلسل مدته 30 دقيقة تتخلله 40 دقيقة إعلانات؟ صحيح أن الإعلانات تحولت إلى شىء أشبه بالقصة القصيرة، ومنها ما يحوى أغنيات تطرب لها الآذان وتحمل أفكارًا وقضايا تجذب الانتباه، لكن أن يجد المشاهد نفسه مجبرًا على تجرع عشرات الإعلانات المكررة عشرات المرات بينما يشاهد عملاً دراميًا واحدًا، فإن هذا شىء سخيف وغير مقبول.

لكن يبدو أن قبول الهجمة الإعلانية الشرسة الخالية من قواعد احترام المشاهد أو احترام وقته أو النظر بعين الاعتبار إلى العمل الدرامى المعروض نفسه والذى يخرج مشوهًا بعد هذا الكم من التقطيع والتشويه وتشتيت الانتباه وتفتيت التركيز أو عدم قبولها ليس من الأمور القابلة للنقاش. ورغم ما قيل فى الأيام القليلة السابقة لرمضان من تحديد دقائق الإعلانات ووضع قواعد حيث يسمح بالقطع ثلاث مرات فقط أثناء الحلقة الواحدة هو كلام فى الهواء، أو ربما هو كلام تلتزم به قنوات لا تحظى بنسب مشاهدة عالية. لكن واقع الحال يشير إلى أن قرار أحدهم بمتابعة عمل درامى ما، أى قرار الالتزام بتخصيص الوقت لمشاهدة مسلسل بعينه يعنى أن يحصل الشخص على منحة تفرغ كاملة.

وربما هذا يفسر انتشار ظاهرة المشاهد التائه الذى يدق على الريموت كنترول معتقدًا أنه سيهرب من إحدى الهجمات الإعلانية الكثيرة، وممنيًا نفسه بجولة سريعة على القنوات القريبة لحين انتهاء الإعلانات الطويلة والمكررة، لكنه ما يلبث أن يجد نفسه تائهًا غير قادر على العودة، من حيث أتى. وتكون النتيجة تبديد الوقت، وضياع المسلسل، وشعور المشاهد بأنه وهو جالس على كنبته فى غرفة معيشته ممسكًا برموته مثبتًا أمام شاشته، بأنه لا يملك من أمره شيئا.

أشياء أخرى كثيرة أجدها منغصة على الشاشات الرمضانية. فعلى الرغم من أن سلاح الرقابة سلاح فاشل لا جدوى منه، لا سيما لمن خطوا نحو العام الـ18 من الألفية الثالثة، ورغم أن منظومة «شرطة الأخلاق» هى من المنظومات الفاشلة والفاشية، فما تنضح به برامج، لا سيما المقالب، هو عين القرف والهبل والاستعباط.

المثل الشعبى العبقرى القائل بأن فلان «سايق الهبل على الشيطنة» سابق عصره وأوانه. فالقائمون على أمر هذه المسابقات يعلمون علم اليقين بأن الكلمات والتلميحات والإسقاطات التى تمتلئ بها برامجهم يصنفها كثيرون باعتبارها خارجة عن الآداب ومثيرة للقرف والاشمئزاز. لكن حجتهم فى ذلك تكون إن ما يرد من ألفاظ وإشارات وغيرها هى نتيجة شعور الضيف ضحية المقلب بالصدمة، حيث يطلق العنان لقاموس متفرد من الشتائم والألفاظ التى تعكس البيئة القادم منها. وبالطبع يعرف القائمون على هذه البرامج أن جزءًا لا يتجزأ من متعة المشاهدة المصرية يكمن فى شيزوفرانيا الاستمتاع بفلان أو فلانة من المشاهير وهو يتفوه بألفاظ كتلك التى يتفوه بها البعض من العوام وناقصى التربية ومعدومى التهذيب. ولأن الشيزوفرانيا آفتنا، فنحن نحرص على متابعة برامج المقالب سابقًا الشتائم والسباب حاليًا، وبعد أن نثرى قاموس مفرداتنا الخارجة نصب اللعنات على البرنامج ومن عمله ومن قدمه ومن شارك فيه.

ورغم أن المجلس الأعلى للإعلام أشار من قبل إلى قيامه برصد التجاوزات والخروج عن النص والتلفظ بألفاظ خارجة وأنه سيتم تغليظ العقوبات على المتجاوزين، إلا أن هذا ليس بالحل الأمثل. فمن جهة، نحن فى مصر تعانى غيبوبة القوانين وموتًا سريريًا للتطبيق. ومن جهة أخرى تعيين عسكرى وراء كل ممثل أو ضيف ليس الحل الأمثل والأوقع.

لكن قليلًا من الوعى وبعضًا من المسؤولية من قبل القائمين على صناعة الإعلام مطلوب. وفى الدول الغربية بجلالة قدرها، فإن ألفاظًا بعينها يتم تمويهها حتى لا تصدر عن وسيلة إعلام جماعية قد تلحق الضرر بمن يتابعها.

وما زال رمضان فى أوله، والشهر الكريم فيه الكثير مما يقال ويرصد ويستحق الكتابة. ولا يسع المشاهد الرمضانى إلا أن يستهل مشاهدته بدعاء: «اللهم بلغنا آخر الحلقة بأقل إعلانات ممكنة، وفى أضيق حدود الشتائم والسباب المتاحة».

نقلًا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللهم بلغنا آخر الحلقة اللهم بلغنا آخر الحلقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon