بقلم : أمينة خيري
تظل الشاشة الفضية تشكل مكونًا رئيسيًا من مكونات رمضان. صحيح أن ترشيد استخدامها أمر مطلوب، وإدماج أنشطة أخرى فى الشهر الكريم من عمل وعبادة وتواصل اجتماعى وسبل ترفيه أخرى مرغوب، لكنها تظل فى قلب كل بيت مصرى.
لكن تشويه محتوى ما تقدمه الشاشة بهذا الشكل أمر فريد مريب فى زمن عجيب. صحيح أن الجميع أيقن أن رمضان موسم استرزاق حيث تنتعش سوق الإعلانات وتزدهر تجارة الدقائق على الأثير، لكن «ربنا عرفوه بالعقل».
وأين العقل فى مسلسل مدته 30 دقيقة تتخلله 40 دقيقة إعلانات؟ صحيح أن الإعلانات تحولت إلى شىء أشبه بالقصة القصيرة، ومنها ما يحوى أغنيات تطرب لها الآذان وتحمل أفكارًا وقضايا تجذب الانتباه، لكن أن يجد المشاهد نفسه مجبرًا على تجرع عشرات الإعلانات المكررة عشرات المرات بينما يشاهد عملاً دراميًا واحدًا، فإن هذا شىء سخيف وغير مقبول.
لكن يبدو أن قبول الهجمة الإعلانية الشرسة الخالية من قواعد احترام المشاهد أو احترام وقته أو النظر بعين الاعتبار إلى العمل الدرامى المعروض نفسه والذى يخرج مشوهًا بعد هذا الكم من التقطيع والتشويه وتشتيت الانتباه وتفتيت التركيز أو عدم قبولها ليس من الأمور القابلة للنقاش. ورغم ما قيل فى الأيام القليلة السابقة لرمضان من تحديد دقائق الإعلانات ووضع قواعد حيث يسمح بالقطع ثلاث مرات فقط أثناء الحلقة الواحدة هو كلام فى الهواء، أو ربما هو كلام تلتزم به قنوات لا تحظى بنسب مشاهدة عالية. لكن واقع الحال يشير إلى أن قرار أحدهم بمتابعة عمل درامى ما، أى قرار الالتزام بتخصيص الوقت لمشاهدة مسلسل بعينه يعنى أن يحصل الشخص على منحة تفرغ كاملة.
وربما هذا يفسر انتشار ظاهرة المشاهد التائه الذى يدق على الريموت كنترول معتقدًا أنه سيهرب من إحدى الهجمات الإعلانية الكثيرة، وممنيًا نفسه بجولة سريعة على القنوات القريبة لحين انتهاء الإعلانات الطويلة والمكررة، لكنه ما يلبث أن يجد نفسه تائهًا غير قادر على العودة، من حيث أتى. وتكون النتيجة تبديد الوقت، وضياع المسلسل، وشعور المشاهد بأنه وهو جالس على كنبته فى غرفة معيشته ممسكًا برموته مثبتًا أمام شاشته، بأنه لا يملك من أمره شيئا.
أشياء أخرى كثيرة أجدها منغصة على الشاشات الرمضانية. فعلى الرغم من أن سلاح الرقابة سلاح فاشل لا جدوى منه، لا سيما لمن خطوا نحو العام الـ18 من الألفية الثالثة، ورغم أن منظومة «شرطة الأخلاق» هى من المنظومات الفاشلة والفاشية، فما تنضح به برامج، لا سيما المقالب، هو عين القرف والهبل والاستعباط.
المثل الشعبى العبقرى القائل بأن فلان «سايق الهبل على الشيطنة» سابق عصره وأوانه. فالقائمون على أمر هذه المسابقات يعلمون علم اليقين بأن الكلمات والتلميحات والإسقاطات التى تمتلئ بها برامجهم يصنفها كثيرون باعتبارها خارجة عن الآداب ومثيرة للقرف والاشمئزاز. لكن حجتهم فى ذلك تكون إن ما يرد من ألفاظ وإشارات وغيرها هى نتيجة شعور الضيف ضحية المقلب بالصدمة، حيث يطلق العنان لقاموس متفرد من الشتائم والألفاظ التى تعكس البيئة القادم منها. وبالطبع يعرف القائمون على هذه البرامج أن جزءًا لا يتجزأ من متعة المشاهدة المصرية يكمن فى شيزوفرانيا الاستمتاع بفلان أو فلانة من المشاهير وهو يتفوه بألفاظ كتلك التى يتفوه بها البعض من العوام وناقصى التربية ومعدومى التهذيب. ولأن الشيزوفرانيا آفتنا، فنحن نحرص على متابعة برامج المقالب سابقًا الشتائم والسباب حاليًا، وبعد أن نثرى قاموس مفرداتنا الخارجة نصب اللعنات على البرنامج ومن عمله ومن قدمه ومن شارك فيه.
ورغم أن المجلس الأعلى للإعلام أشار من قبل إلى قيامه برصد التجاوزات والخروج عن النص والتلفظ بألفاظ خارجة وأنه سيتم تغليظ العقوبات على المتجاوزين، إلا أن هذا ليس بالحل الأمثل. فمن جهة، نحن فى مصر تعانى غيبوبة القوانين وموتًا سريريًا للتطبيق. ومن جهة أخرى تعيين عسكرى وراء كل ممثل أو ضيف ليس الحل الأمثل والأوقع.
لكن قليلًا من الوعى وبعضًا من المسؤولية من قبل القائمين على صناعة الإعلام مطلوب. وفى الدول الغربية بجلالة قدرها، فإن ألفاظًا بعينها يتم تمويهها حتى لا تصدر عن وسيلة إعلام جماعية قد تلحق الضرر بمن يتابعها.
وما زال رمضان فى أوله، والشهر الكريم فيه الكثير مما يقال ويرصد ويستحق الكتابة. ولا يسع المشاهد الرمضانى إلا أن يستهل مشاهدته بدعاء: «اللهم بلغنا آخر الحلقة بأقل إعلانات ممكنة، وفى أضيق حدود الشتائم والسباب المتاحة».
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع