بقلم : أمينة خيري
قبل شهر بالتمام والكمال، بدت أمارات وبشائر تشير إلى عودة للسياحة القادمة إلى مصر. وهى عودة- إن اكتملت- ستكون بطيئة وصعبة. كما ستكون أشبه بالاختبار الذى تجريه الزوجة العائدة إلى بيت الزوجية بعد خناقة عارمة مع زوج أغضبها، مرة لظروف خارجة عن إرادته ومرة لأسباب وعوامل تتعلق بقصر نظره وجمود قلبه وتحجر عقله!
قلب السياحة وعقلها يكمن فى شعور السائح بالأمان. والأمان لا يقتصر على تعريفات فى ضوء محاربة الإرهاب ومواجهة عمليات التفجير والتفخيخ... إلخ، وهى العمليات التى بات العالم يعرف أنها تحدث هناك كما تحدث هنا، لكنها تشمل شعوره بالأمان والراحة النفسية وهو يمشى فى شارع هنا، أو يجلس فى مقهى هناك، أو يقضى يومًا فى الأهرامات أو خان الخليلى أو القاهرة القديمة أو ما شابه. وقبل شهر بالتمام والكمال أيضًا، كتبت هذه الكلمات: «ولأن الله هو الحامى، ومن بعده قوات الأمن التى تسهر وتتابع وتراقب وتقى وتتأهب (دون تمضية وقت العمل فى تكتكة على موبايل أو تعسيلة تحت ظل شجرة أو وجبة فول وفلافل ساعة عصارى مع الزملاء والأصدقاء)، فإن العنصر البشرى المصرى يحتاج منا وقفة سريعة وقوية. وسبب السرعة هو أن المؤشرات تؤكد أن العودة المرتقبة باتت قريبة. وأما القوة لأن ما ضرب أخلاقنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا بلغ درجة من القوة فى التردى والتدهور ما يستدعى قوة مماثلة فى التقويم والتوعية.
وإذا كانت ظاهرة العنف والتردى الأخلاقى وغيبوبة تطبيق القانون فى سنوات ما بعد ثورة يناير تصيبنا بأمراض الضغط والسكر والاكتئاب، فإن بشائر عودة السياحة وما تعنيه من إعادة بث الروح فى ملايين البيوت المصرية التى كانت تعتمد على الأعمال المرتبطة بها كمصدر لدخلها، فربما تشجعنا على النظر فى المرآة لنواجه أنفسنا بالقدر الكبير من القبح الذى أصابنا. انعدام قيم النظافة، وتبدد قواعد النظام، وتبخر أبجديات الذوق والتربية قادرة أن تجعل من بلدنا وجهة سياحية قبيحة ماسخة».
وعرفت المسخ بأنه «ذلك الذى يتصف به البعض من الباعة اللحوحين أو المتسولين الزنانين أو النصابين الجوالين الذين دأبوا على مضايقة السائح وملاحقته فى شوارع وسط القاهرة والأماكن السياحية، وهو المسخ المرشح للتحول إلى قبح قاتل. فبين تحرشات فجة، ونظرات مستطلعة مخترقة خصوصية الآخرين، وتعليقات سخيفة رذيلة، وتصرفات قبيحة حرى بنا البدء فورًا فى عمليات توعية للجميع من جهة، ومراقبة ومحاسبة للمخطئين دون تفرقة أو تجاوز من جهة أخرى». وقبل أيام وافق مجلس النواب على قانون ينص على عقوبة مالية لمن يتعرض للسياح وزوار المواقع الأثرية والمتاحف تتراوح بين ثلاثة وعشرة آلاف جنيه مصرى.
والمقصود بالتعرض هو الإلحاح على السياح والزوار رغمًا عنهم بقصد التسول أو الترويج أو عرض أو بيع سلع أو خدمة للشخص نفسه أو لصالح الغير. الإيجابى فى هذا القانون هو أنه يعكس معرفة كاملة وإلمامًا شاملاً بأننا نواجه أزمة سلوكية وأخلاقية حقيقية، وإن الوضع الأخلاقى السائد فى الشارع والمتردى بشدة لا يصلح لاستقبال سياح.
أما السلبى فهو- ودون مواربة- عدم قدرتنا (وربما عدم رغبتنا) فى تطبيق القوانين.
والسؤال هو: من الذى سيطبق القانون الجديد الذى يحمى السائح من الرذالات والبلطجة؟ هل هو أمين الشرطة والضابط؟ وهل هما قادران أو راغبان فى التطبيق؟ وإن كانا كذلك، فلماذا تركا الوضع يصل فى منطقة الأهرامات لدرجة أن صبية وشبابًا ورجالاً يلقون أنفسهم على سيارات الزائرين ويجبرونهم على التوقف ويهددونهم ضمنيًا بضرورة دفع أموال حتى يتركونهم؟! ولماذا تركا عربات مترو الأنفاق (وتحديدًا الخطين الأول والثانى) مرتعًا لجيوش الباعة الجوالين والمتسولين يصعدون ويترجلون على مرأى ومسمع من الجميع؟! ولماذا تركا الشوارع والميادين تتحول جراجات لسيارات تقف فى الممنوع، وأخرى تسير عكس الاتجاه.
وكل ما سبق، أنا وأنتم نعلم أنه حقيقة واقعة، وليس ادعاء أو محاولة لتشويه شعبنا المتدين بالفطرة.
للمرة المليون بعد الدشليون، إلى أن نبدأ فى الخروج من «بكابورت» الأخلاق المتدنية عبر إصلاح التعليم وفصله عن التديين، وإعادة إعمار التربية والعودة إلى غرس مفاهيم العيب والصح وليس الحرام والحلال فقط، لا بديل عن تطبيق القانون بحسم وحزم على الجميع.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع