بقلم : أمينة خيري
القدرة على رؤية النقاط المضيئة وسط العتمات نعمة. وتذوق نكهة المهنية فى زمن صعب وأوضاع قاسية نقطة ضوء وأمل. وتوصيل الرسائل بسبل غير مباشرة صعب.
الهزل الإعلامى الخبرى والتثقيفى المتمثل فى كثير من الصراخ وإفراط فى اللت والعجن وترجيح كفة التمثيل على حساب المعلومة والتحليل الراقى قادر على تحقيق نجاحات وإحراز أهداف لبعض الوقت. لكنه، وكما صعد بسرعة الصاروخ، يسقط بالسرعة ذاتها، وربما بسرعة أعلى منها، حيث يكون الارتطام عنيفًا وفقدان ثقة المتلقى أكيدة. وارد جدًا، بل المرجح أن يشهد الإعلام الكثير من الأزمات فى أوقات التغيير الكبرى، فما بالك بثورتين كاملتين لا يفصل بينهما سوى عامين؟! والحق يقال إن الإعلام المصرى (على الأقل جزء منه) قام بمهام وطنية رائعة على مدار السنوات السابقة. لكن بعضه أيضًا اقترف أخطاء فادحة أدت إلى فقدان ثقة قطاع عريض من المواطنين فيه، وألقت بظلال وخيمة تتراوح بين توقف البعض تمامًا عن متابعة الإعلام التقليدى من صحف ومحطات تليفزيونية وإذاعية وحتى المواقع الخبرية، والاتجاه نحو مواقع التواصل الاجتماعى بديلاً. كما اندلف البعض الآخر لينهل ما تبثه قنوات معادية هنا وهناك تبث سمومًا سياسية وتضخ فتنًا عقائدية وتخرب ما تبقى من قدرات ذهنية قادرة على التفرقة بين الحق والباطل.
وما كان يصلح فى الإعلام ويٌعمَل به قبل عقود لا يصلح فى العام الـ19 من الألفية الثالثة. وما كان يمكن تصنيفه تحت بند «الإعلام الوطنى» بمقاييس الخمسينيات أو الستينيات أو حتى السبعينيات، لا يمكن إخضاعه للتصنيف ذاته اليوم.
اليوم يدق باب المتلقى بدلاً من الرؤية المئات، وبدلاً من المصدر الآلاف، وبدلا من المعلومة قوائم من المعلومات والمعلومات المغلوطة والموجهة والمسممة. ولم تعد الوسائط حكرًا على جهة ما، بل هى متوفرة للجميع. هذه الوفرة- أو بالأحرى التخمة الإعلامية- يجب أن تحرك الفكر السائد فى الإعلام صوب آفاق جديدة وطرق مغايرة لتلك المهيمنة حاليًا. وعلى الرغم من العقيدة الوطنية التى تتمتع بها الغالبية، لكن العقيدة الوطنية وحدها لا تضمن محتوى إعلاميا قادرًا على تحقيق المراد. لكن المراد يلوح فى الأفق هذه الأيام، وذلك عبر عدد من الأفلام الوثائقية واللقطات التأريخية لشخصيات مضيئة فى الثقافة والفن والتنوير فى مصر. تذكرة المصريين بأن فى يوم من الأيام كانت لهم بصمة فى الثقافة غير الدينية، والفن غير الدينى، والتنوير المدنى، والفكر التقدمى مهمة وطنية خالصة من شأنها المساهمة فى عملية الإنقاذ. كذلك الأفلام الوثائقية ذات المحتوى الثرى تاريخيًا والإعداد المهنى والرؤية الفنية والتى تنأى بنفسها عن التوجيه والوعظ والإرشاد واللهجة الفوقية والنبرة الأمنية والبروباجاندا المباشرة تؤتى ثمارها أسرع مما نتصور. فتحية خالصة إلى كل من ساهم فى صناعة وثائقى «أبيض وأسود» عن جماعة الإخوان، وذلك دون صراخ أو عويل توجيهى، فقط معلومات ووثائق بطريقة شيقة رشيقة وعلى المتلقى الاختيار.