بقلم : أمينة خيري
مازالت أفراح أكتوبر تتوالى. والفرحة لا تقف عند حدود النصر العظيم، لكنها تمتد إلى ما أسفرت عنه المناسبة هذا العام من ردود فعل ومشاعر ظن كثيرون أنها تبخرت، أو أن 46 عامًا كانت كفيلة بتخفيفها أو تجهيلها.
تابعت بمزيد من السعادة والبهجة تدوينات وتغريدات مئات الأصدقاء على «فيسبوك» و«تويتر» وفى جلسات اجتماعية على مدار الأيام الماضية. كم الوطنية مذهل، ومقدار محبة الوطن والانتماء له مثيرة للفخر والاعتزاز. والمقصود بالوطنية ليس ترديد أغنية، أو التلويح بعلم، أو نعت كل معترض بالخيانة أو العمالة. الوطنية التى عايشتها الأغلبية تمثلت فى اتفاق دون تجهيز أو حشد مسبقين على سرد بطولات من شاركوا فى الحرب من دوائر الأسرة والمعارف، جنودًا وضباطًا وحتى أمهات وآباء ممن دعموا بلدهم أثناء الحرب عبر ترحيب بالترشيد أو مشاركة فى دعم جنودنا الأبطال.
والمثير للبهجة الفعلية هو أن كثيرين ممن هرعوا لمشاركة هذه القصص والذكريات العظيمة ممن يحرصون على تسجيل انتقادات واعتراضات على سياسات أو أداءات أو إجراءات. «ساعة الجد» لم يمتنع الجميع أو يبخل فى مشاركة الذكريات واستعادة مشاعر لحظات الانتصار وعودة الكرامة. وقفت الغالبية على قلب رجل وامرأة واحد(ة) يشاركون قصص البطولات، ويعودون إلى دق الـ«لايك» والـ«شير» لمن يخالفونهم الرأى ويعارضونهم فى التوجه.
توجه المصريين الخاص بالوطن توجه واحد، وهذه ليست أحادية أو ديكتاتورية أو فرض أيديولوجيا دون غيرها. فالوطن واحد ومكوناته عدة. بالطبع لكل قاعدة استثناء، واستثناءاتنا هنا تصب فى خانة الجماعات التى تعلى مناهجها الملتحفة بالدين على منهج الوطن والوطنية. استثناءاتنا كانت وستظل تدور حول من قايضوا الوطن بفكر جماعة مجرمة. وليس أدل على ذلك من استمرار لهرائهم المعاد تدويره والذى يحاول تقليل قيمة النصر العظيم أو مكانة جيشنا بجنوده وضباطه. الجماعة التى تحاول أن تكسر جيشًا عبر الإساءة لسمعته والتشكيك فى مصداقيته هى جماعة خائنة بغض النظر عن موقعها. وسواء كانت تقف أقصى اليمين الدينى أو السياسى، تظل محسوبة على الوطن زورًا وعدوانًا.
ونعود إلى احتفاءات المصريين المبهجة بذكرى النصر حيث يظهر المعدن الأصيل بغض النظر عن كم الأتربة والشوائب التى تعكر الأجواء. اللافت أيضًا فى هذا الاحتفاء الهائل هو انضمام جيل الوسط إلى جموع المحتفين المحتفلين. فقد وجدت العديد من الأصدقاء ممن هم فى أواخر العشرينيات والثلاثينيات من العمر وقد انضموا هذا العام للمحتفلين بالوطن. وهذا يؤكد أن الظروف الصعبة والأحداث الجسام لها آثار جانبية بالغة الإيجابية قادرة على إيقاظ محبة الوطن. وتبقى الأجيال الأصغر فى حاجة إلى من وما يوقظ وطنيتها ويعمل على تنمية روح الانتماء، لا عبر أغنيات وطنية أو خطب إجبارية، ولكن عبر تنمية التفكير النقدى وتوسيع هامش المعرفة و«بحبحة» إمكانية التعبير.