بقلم : أمينة خيري
ما الذى يجعل البعض ينجذب بشكل مفاجئ ومفرط لعمل فنى أو حدث أو شخصية ما؟ وما الذى يدفع البعض لاعتبار فيديو لشخص مغمور حدثًا متناهى الأهمية يستحق اللايك والشير، والأدهى من ذلك إهدار وقت العمل أو حتى الترفيه لمشاهدته عشرات المرات، ومن ثم إخضاعه لتحليلات المقاهى وتنظيرات فيسبوك وتفنيدات تويتر؟! المؤكد أن كل ما يحتوى على مثيرات الأدرينالين فى الجسم يحظى بقبول متراوح الدرجات.
لكن هذه الدرجات تتراوح بين اهتمام عابر معروف ومقبول على سبيل العلم بالشىء، واهتمام بالغ يعكس رغبة حقيقية فى معرفة المحتوى ومتابعة ردود الفعل والبحث عن المزيد من المعلومات، وإفراط كامل وإغراق شامل فى الحدث أو الشخص ليتحول إلى هوس. وهذه التراوحات لها أسباب مختلفة، بعضها يتصل بالشخص نفسه المتابع، والبعض الآخر له علاقة بالبيئة المحيطة والظروف. الظروف التى تجعل بعض الدول تمر بتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى هى ظروف غير طبيعية وتنجم عنها تصرفات وردود فعل كذلك غير طبيعية. والدول التى دفعتها مجريات السياسة وأخطاؤها وإخفاقاتها إلى الخروج من قوائم التعليم والتثقيف والصحة والسكن والخدمات الجيدة على مدار عقود، يعانى مواطنوها لعقود من آثار هذا التجريف.
وأحد مظاهر هذا التجريف يعبر عن نفسه فى إفراط فى الاهتمام بالأحداث والحوادث والحواديت. وهناك من الشعوب من يعتبر نفسه مثقفًا مطلعًا لأنه يصنف نفسه باعتباره «متدينًا جدًا» أو «بالفطرة» أو «بطبعه»، فلا يشعر بالحاجة إلى القراء والاطلاع، ودفع نفسه نحو التفكير النقدى والاختيار وليس القبول بالمفروض من قبل الوسطاء بينه وبين الله سبحانه وتعالى. هذه الشعوب تجد نفسها غارقة حتى الثمالة فى كل ما يمر عليها من حوادث صاخبة، تكتفى فى متابعتها بالمشاهدة والمتابعة والتسليم بمحتواها، لأنها لم تعتد التفكير أو النقد أو البحث، حيث إنها من الموبقات.
كما أن مثل هذه الصراعات الزاعقة تزدهر فى عصور اندثار الإعلام بمعناه الحقيقى وأهدافه الأصلية. فحين تظهر «أسطورة» فنية مدعية أنها «نمبر وان»، ولا يجد المتلقى ما يجابه هذا الظهور يهيئ له أن المذكور «نمبر وان» فعليًا. وحين يتفتق ذهن أحدهم عن إصدار سلاسل من الأفلام الرديئة لكن تحوى قدرًا من الإثارة، ولا يجد المتلقى فى إعلامه ما يثق فى مصداقيته أو مهنيته أو استقلاليته، يغرق فى الإثارة. وحين تقرر «أيقونة» هنا أو «ناشط» هناك أن يفرقع بالونة هواء فى خواء ثقافى وإعلامى صاخب رغم خوائه، ينكب المتلقى للمشاهدة والشير والتنظير فى الأجواء المذكورة أعلاه. غاية القول إن الأمر لم يعد يتعلق بمعاضدة أو معارضة سياسية، أو بانتماءات وخيانات وطنية، أرى أن الوضع يستحق اعترافًا بحاجة قصوى لإصلاح إعلامى مواكب للعام الـ19 من الألفية الثالثة وصلاح ثقافى ينفض الغبار والصدأ عن عقول تغييب أغرقتنا جميعًا.