توقيت القاهرة المحلي 08:39:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثانوية العامة وبلد الشهادات

  مصر اليوم -

الثانوية العامة وبلد الشهادات

بقلم : أمينة خيري

هذا هو الجنون بعينه. هذه الجيوش الهادرة التى تخضع كل عام لامتحانات الثانوية العامة، وتسبقها بعامين من الدروس الخصوصية المكثفة والإقامة الجبرية فى المدارس البديلة، ألا وهى مراكز الدروس الخصوصية، المعروفة شعبيًا باسم «السناتر»، وتلك المشاعر الجارفة من الرعب والهوس والقلق والتوجس التى تجتاح كل بيت مبتلى بالثانوية العامة، وهذه الحوادث المحزنة لأولاد وبنات اختاروا أن ينتحروا أو يحاولوا الانتحار هربًا من هوس جنونى ضرب المجتمع برمته، وأخيرًا هذا الترقب المشوب بالأمل والرجاء تارة، والملوث باليأس وضياع البوصلة تارة، جميعها يصب فى خانة الجنون الجمعى المسكوت عنه.

السكوت على مهزلة الثانوية العامة المتكررة كل عام هو مشاركة فى قتل مجتمع ووأد أبنائه وبناته أحياء. ما عدد سائقى «أوبر» و«كريم» الذين احترفوا مهنة القيادة وهم حاصلون على شهادات جامعية؟، وما نسبة المتخرجين فى كليات مثل الحقوق والتجارة والزراعة والآداب، «على سبيل المثال لا الحصر»، ممن يعملون فى أعمال ذات صلة بتخصصاتهم الدراسية؟، وما عدد المترددين على المقاهى الفاخرة والشعبية كل ليلة ممن هم مُصنَّفون تحت بند «عاطلون جامعيون»؟. ولن أتطرق هنا إلى خريجى كليات مثل الهندسة والطب وعلوم الكمبيوتر لأن هؤلاء مشاكلهم ذات أبعاد مختلفة، ولكن أن يكون لدينا ما يزيد على 650 ألف طالب وطالبة حاملين للثانوية العامة كل عام، ويكون الهدف الرئيسى لهذه الآلاف الالتحاق بالجامعة، أى جامعة، حتى يندرجوا تحت بند «حاملى الشهادات العليا» فقط لا غير، فهذا شىء خالٍ تمامًا من المنطق. المنطق يتخاذل ويتهاوى ويسقط مغشيًا عليه أمام سطوة الثقافة المهيمنة. وحين يهدد أب ابنه بأنه لو لم يتأدب ويلتزم فسيحرمه من دخول «الثانوى العام» ويُلحِقه بـ«الفنى»، فإن هذا يعنى دون أدنى شك أن التعليم الفنى سيظل عقابًا للكسالى و«الصيّع».

وحين يشعر سائق التاكسى أو النادل فى المطعم أو عامل الدليفرى بأنه حين يخبرك بأنه خريج جامعى فسيرفع من نظرتك له من خانة «العامل» إلى خانة «الجامعى»، فإن هذا يعنى أن كل تعليم غير جامعى سيظل موصومًا بالدونية. ودون التطرق إلى سبل تعديل الثقافة وتنقيتها وتطهيرها، لن تفلح جهود الرفع من شأن التعليم الفنى، أو إقناع الملايين بالحجة والبرهان بأن عليهم أن يبِلُّوا ورقة البكالوريوس أو الليسانس ويتجرعوا مياهها إما بطالة مُقنَّعة أو بطالة صريحة أو يأسًا وإحباطًا. وفى المقابل، فإن من واجب الدولة أن تقدم للشعب منتجًا نهائيًا حقيقيًا وواقعيًا يقول بالحجة والبرهان إن الحاصل على شهادة التعليم الفنى مؤهل لعمل مُجْدٍ، ويتمتع بمواصفات ومقومات الخريج العادى من حيث فرص الزواج ونظرة المجتمع. وهذا المنتج لن يصح إلا باكتمال التجربة وخروج دفعات مُدرَّبة ومؤهَّلة ومتعلمة تعليمًا فنيًا حقيقيًا قادرًا على مد يد العون وطوق النجاة إلى الجميع. مضت 55 عامًا كاملة على إفيه الزعيم عادل إمام «بلد بتاعة شهادات صحيح»، ومازالت البلد بتاعة شهادات، لكن لا طائل منها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثانوية العامة وبلد الشهادات الثانوية العامة وبلد الشهادات



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon