توقيت القاهرة المحلي 18:29:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثانوية العامة وبلد الشهادات

  مصر اليوم -

الثانوية العامة وبلد الشهادات

بقلم : أمينة خيري

هذا هو الجنون بعينه. هذه الجيوش الهادرة التى تخضع كل عام لامتحانات الثانوية العامة، وتسبقها بعامين من الدروس الخصوصية المكثفة والإقامة الجبرية فى المدارس البديلة، ألا وهى مراكز الدروس الخصوصية، المعروفة شعبيًا باسم «السناتر»، وتلك المشاعر الجارفة من الرعب والهوس والقلق والتوجس التى تجتاح كل بيت مبتلى بالثانوية العامة، وهذه الحوادث المحزنة لأولاد وبنات اختاروا أن ينتحروا أو يحاولوا الانتحار هربًا من هوس جنونى ضرب المجتمع برمته، وأخيرًا هذا الترقب المشوب بالأمل والرجاء تارة، والملوث باليأس وضياع البوصلة تارة، جميعها يصب فى خانة الجنون الجمعى المسكوت عنه.

السكوت على مهزلة الثانوية العامة المتكررة كل عام هو مشاركة فى قتل مجتمع ووأد أبنائه وبناته أحياء. ما عدد سائقى «أوبر» و«كريم» الذين احترفوا مهنة القيادة وهم حاصلون على شهادات جامعية؟، وما نسبة المتخرجين فى كليات مثل الحقوق والتجارة والزراعة والآداب، «على سبيل المثال لا الحصر»، ممن يعملون فى أعمال ذات صلة بتخصصاتهم الدراسية؟، وما عدد المترددين على المقاهى الفاخرة والشعبية كل ليلة ممن هم مُصنَّفون تحت بند «عاطلون جامعيون»؟. ولن أتطرق هنا إلى خريجى كليات مثل الهندسة والطب وعلوم الكمبيوتر لأن هؤلاء مشاكلهم ذات أبعاد مختلفة، ولكن أن يكون لدينا ما يزيد على 650 ألف طالب وطالبة حاملين للثانوية العامة كل عام، ويكون الهدف الرئيسى لهذه الآلاف الالتحاق بالجامعة، أى جامعة، حتى يندرجوا تحت بند «حاملى الشهادات العليا» فقط لا غير، فهذا شىء خالٍ تمامًا من المنطق. المنطق يتخاذل ويتهاوى ويسقط مغشيًا عليه أمام سطوة الثقافة المهيمنة. وحين يهدد أب ابنه بأنه لو لم يتأدب ويلتزم فسيحرمه من دخول «الثانوى العام» ويُلحِقه بـ«الفنى»، فإن هذا يعنى دون أدنى شك أن التعليم الفنى سيظل عقابًا للكسالى و«الصيّع».

وحين يشعر سائق التاكسى أو النادل فى المطعم أو عامل الدليفرى بأنه حين يخبرك بأنه خريج جامعى فسيرفع من نظرتك له من خانة «العامل» إلى خانة «الجامعى»، فإن هذا يعنى أن كل تعليم غير جامعى سيظل موصومًا بالدونية. ودون التطرق إلى سبل تعديل الثقافة وتنقيتها وتطهيرها، لن تفلح جهود الرفع من شأن التعليم الفنى، أو إقناع الملايين بالحجة والبرهان بأن عليهم أن يبِلُّوا ورقة البكالوريوس أو الليسانس ويتجرعوا مياهها إما بطالة مُقنَّعة أو بطالة صريحة أو يأسًا وإحباطًا. وفى المقابل، فإن من واجب الدولة أن تقدم للشعب منتجًا نهائيًا حقيقيًا وواقعيًا يقول بالحجة والبرهان إن الحاصل على شهادة التعليم الفنى مؤهل لعمل مُجْدٍ، ويتمتع بمواصفات ومقومات الخريج العادى من حيث فرص الزواج ونظرة المجتمع. وهذا المنتج لن يصح إلا باكتمال التجربة وخروج دفعات مُدرَّبة ومؤهَّلة ومتعلمة تعليمًا فنيًا حقيقيًا قادرًا على مد يد العون وطوق النجاة إلى الجميع. مضت 55 عامًا كاملة على إفيه الزعيم عادل إمام «بلد بتاعة شهادات صحيح»، ومازالت البلد بتاعة شهادات، لكن لا طائل منها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثانوية العامة وبلد الشهادات الثانوية العامة وبلد الشهادات



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon