بقلم - أمينة خيرى
الحديث عن الانتخابات الرئاسية «أشيك» كثيراً، والتطرق إلى غاز حقل «ظهر» وألغاز استيراد الغاز من إسرائيل يضمن كماً أكبر من المتابعة والمشاركة وإعادة التنزيل، والدقّ على أوتار الأسعار ومتاعب الفقراء وأوجاع الطبقة المتوسطة (أو بالأحرى ما تبقّى منها) يجذب الكثيرين لأنه يمس عشاء اليوم وإفطار صباح الغد، لكن الشارع لا يسترعى انتباه أحد، رغم ما يملكه من قدرات وما يختزنه من ملكات وما يبثه من أهوال.
أهوال الشارع المصرى لا تُعد أو تحصى، وهى فى حالة تغير مستمر وتطور لا يتوقف. المشهد العام فى الغالبية المطلقة من الشوارع أقرب ما يكون إلى الغابات، وفى الغابة البقاء يكون للأقوى لا للأصلح. والكل فى جلسات التنظير المسائى والتحليل الصباحى يتشدق بصلاح الحال الذى لن يتم إلا بتطبيق القانون، لكن العين المجردة تؤكد أن النسبة الأكبر ضاربة بالقانون عرض الحائط دون هوادة أو تردد.
ولم التردد أو التخوف أو حتى التفكير مرتين قبل أن أسير عكس الاتجاه بأقصى سرعة؟ أو أحتل الرصيف بكراسى المقهى أو بضائع الكشك؟ أو أعلن المناطق المتاخمة للمحلات التجارية والعمارات السكنية مناطق محررة تخضع لسطوة مملكة السيّاس؟ أو أحوّل مطلع الكوبرى أو منزله واليو تيرن والميدان موقفاً ثابتاً لا يتزعزع ولا يتحرك لعفاريت الأسفلت بميكروباصاتهم القديمة و«التُمناية» الحديثة؟ أو أقرر أن أمتطى عربتى الكارو ذات الحمار وأمخر عباب طريق السويس أو الدائرى أو المحور ملك زمانى أنا وحمارى؟
لم التردد والجميع على ثقة كاملة بأن أحداً لن يسأله «تلث التلاتة كام»! والجميع على بيّنة بأن الهبّة الفجائية التى تدفع بحملة مصادرة إشغالات الطريق هنا أو مراقبة الطريق هناك ليست إلا ظاهرة كونية لا تتكرر إلا كل 33 سنة؟ والغالبية تعرف أن مراقبة السرعة الجنونية على الطرق أمر غير وارد، وأن محاسبة معاتيه القيادة الجنونية ضرب من الخيال، فلا مقترف الجريمة يرى فيما يفعله مشكلة، ولا من هو منوط به تطبيق القانون يرى أن فى الأمر أزمة.
وبمناسبة جنون القيادة ودهس قوانين المرور كتبت قبل أيام بضعة سطور على صفحة فيسبوكية خاصة بملاك أحد التجمعات السكنية الراقية على أطراف القاهرة عبّرت فيها عن تعجبى من السير عكس الاتجاه، وبسرعة رهيبة، رغم أن الحد الأقصى للسرعة محدد فى داخل المدينة كلها بـ60 كم فى الساعة، وأظهرت أسفى على أن هذه التصرفات ينبغى أن لا تصدر عن شعب يقول عن نفسه إنه متدين ويبذل جهداً خارقاً لإظهار هذا التدين، فما كان من كثيرين إلا أن تساءلوا بغضب: «وما علاقة القيادة والالتزام بقواعد المرور أو عدم الالتزام بها بالدين؟»، وهو سؤال لو تعلمون مريع، لأن أبجديات التدين تحتم على المرء ألا يُلحق الضرر بنفسه أو بغيره.
غير أن غاية القول هنا هى أن الشارع المصرى غابة بكل معانى الكلمة. والشارع المصرى بات منزوع القوانين بعد ما أصبح خالياً تماماً من أبجديات السلوك القويم والأخلاق. والشارع المصرى -مهما اكتشفنا من حقول غاز وأنجزنا من مشروعات استثمار وأبرمنا من تعاقدات- يظل سُبّة فى جبين كل مصرى ومصرية، لكن السبّة الأكبر محفورة على أجبنة من يُفترض أنهم يطبقون القانون لكنهم عنه ساهون متجاهلون «مكبرون الأدمغة».
نقلا عن الوطن القاهرية