بقلم : أمينة خيري
الكمامات أصبحت واقعاً جديداً مضافاً إلى حياتنا. هذا الواقع لا يقف عند حدود فرض ارتداء الكمامات بقرارات وعقوبات لعدم الالتزام، وإلا تحولت كحزام الأمان والالتزام بالسرعات والحارة المرورية التى تحول جميعها إلى حبر على ورق قوانين المرور. نظرة سريعة إلى شوارعنا ومياديننا تشير إلى أن كثيرين يلتزمون بارتداء الكمامات. لكن التزام هؤلاء الكثيرين يتراوح بين التزام مظهرى حيث الكمامة معلقة أسفل الأنف، وأحياناً أسفل الذقن، وآخر عن اقتناع حيث تغطى الأنف والفم بالطريقة الصحيحة.
النوع الأول من الملتزمين تجده فى السوبر ماركت والميكروباص والمحال التجارية والمراكز التجارية وغيرها من الأماكن التى يكون ارتداء الكمامة فيها مسؤولية الفرد، ليس فقط تجاه نفسه لحماية نفسه من العدوى، ولكن تجاه الآخرين حتى فى الحالات التى يعتنق فيها الشخص مبدأ «لو ربنا عايزنا نموت هنموت» دون النظر إلى الشق الدينى أيضاً والذى ينص على «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».
تهلكة من نوع آخر هى تلك الظاهرة المتنامية حيث أضفنا مكوناً جديداً إلى القمامة التى نلقى بها من نافذة السيارة وعلى باب السوبر ماركت وفى داخل «التروللى» وعلى الأرصفة وفى الميادين، ألا وهى الكمامة المستخدمة. ومن يلقى بكمامته بعد استخدامها بهذا الشكل فإن هذا يعكس أمرين لا ثالث لهما: الأول أنه من معتنقى مبدأ أن الأماكن العامة مزبلة عامة، والثانى أنه لا يعى أبجديات النظافة وماهية الفيروس.
فيروس التشدق بما ليس فينا أخطر مليون مرة من الفيروسات التى تحيط بنا. هل التدين الفطرى الذى يخدر أعصابنا، و«النظافة من الإيمان» المنحوتة على جدران مدارسنا وبديهيات التردد على دور العبادة التى ذرفنا على إغلاقها دموعاً لا أول لها أو آخر والتى تنص على النظافة تعنى أننا نعى مفهوم النظافة فعلياً؟!
وإذا كان البعض ممن لهم حق الإفتاء يتحفوننا بكم هائل من الفتاوى العظيمة المتصلة بكورونا، بدءاً بشروط حصول من مات بكورونا على لقب شهيد، مروراً بمدى جواز تغسيل والصلاة على من مات بالفيروس، وانتهاء بالرأى الشرعى فى تأجيل الحمل بسبب الفيروس، فلماذا لا يحرمون ويجرمون وينددون من يرتدون الكمامة لإشهار التزامهم بينما هى أسفل أنوفهم وذقونهم، ومن يلقون بها وما تحمله من جراثيم وفيروسات على قارعة الطريق؟! لسنا فى حاجة إلى المزيد من تغليظ العقوبات على غير الملتزمين بالكمامة. لكننا فى أمس الحاجة لإنقاذ أنفسنا مما نحن فيه.
هل يحق لأمين الشرطة الذى يرتدى كمامة أسفل ذقنه أن يطبق مخالفة عدم ارتداء الكمامة على ركاب الميكروباص؟ وإذا كنا نشكو من أن عدم تطبيق قوانين المرور يعود فى جانب معتبر منه إلى أن البعض ممن يطبقون القانون ليسوا مقتنعين به من الأصل، بل ويرتكبون المخالفات ذاتها المنصوص عليها فى القوانين، فإن معركتنا الحقيقية هى معركة وعى، سواء كانت بجدوى الكمامة أو خطورة القمامة.