توقيت القاهرة المحلي 08:53:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بى خفيفة وخيبة ثقيلة

  مصر اليوم -

بى خفيفة وخيبة ثقيلة

بقلم : أمينة خيرى

 هذا وقد آليت على نفسى عدم الانخراط فى ملحمة البكاء على أطلال الإنجليزية الموشكة على الرحيل أو التهليل للتعريب واستعادة الهوية المنهوبة والانتماء المسلوب، وذلك إلى أن تتضح معالم خطة الإصلاح المقررة وأمارات إعادة الهيكلة المزمعة أو -كما جرت العادة- أن يتم التأجيل لأجل غير مسمى والتسويف لحين إشعار آخر غالباً لا يأتى.

وما يأتى إلينا هذه الآونة من علامات تحلل سلوكى داخلى وأمارات تهلهل أخلاقى لا تخطئه عين، ما هو إلا نتيجة متوقعة لما ألم بمدارسنا التى هى انعكاس للمجتمع برمته. فبدءاً بزى مدرسى فى المدارس الحكومية بات درباً من دروب الماضى لا يعترف به أحد، مروراً بمنظومة مدرسية لم تعد تحتفظ لنفسها بأسس، اللهم إلا سور ومبنى وبقايا من فصول، وأما السور فمزدان بآيات قرآنية تحض على العلم وأحاديث نبوية تشجع على النظافة وأقوال مأثورة تطالب بالوقوف للمعلم وأن نوفه تبجيلاً، لكن واقع الحال أمام السور ينضح بتلال من قمامة وجيوش من ذباب وأدمغة صغار خاوية من التعليم وأولويات معلمين غالباً تهيمن عليها منافع الدروس الخصوصية وتربية الصغار بالشتم والسب حيناً والضرب والسخرية حيناً.

والمبنى لا يختلف كثيراً، حيث اهتمام بطلاء الجدران وحرص على الإبقاء على معالم أثرية تشير إلى أن معلمين حقيقيين وطالبى علم أصليين مروا ذات يوم من هناك، وفى داخل الفصول فإنها لا تنضح بالعلم إلا قليلاً، ولا تعكس تربية ولا حتى رائحتها.

رائحة ما جرى فى نظام التعليم المدرسى المصرى تزكم الأنوف، فبدءاً بترسخ منظومة «بى ثقيلة» وقرينتها الخفيفة للتفرقة بين الـB وP، مروراً بمعارف يقسمون بأغلظ الأيمانات أن بين معلمى اللغة الإنجليزية فى المدارس الرسمية من لا يعرف قواعدها ولا يتقن أسسها، وليس مجرد نطق فاضح ومخارج حروف لا تمت للإنجليزية بصلة من قريب أو بعيد، وانتهاء بعلاقة كراهية تربط الصغار بالمدرسة، فهى إما شر لا بد منه، أو وسيلة للخروج من البيت والتزويغ من المدرسة إلى آخر معالم تحلل منظومة المدارس فى مصرنا المحروسة.

سنتر «المحروسة» يعد بمستوى تعليمى بازغ ونتائج لأبنائنا الطلاب تشرف وتكلفة أقل من مثيلتها فى المراكز المجاورة، إنه عالم المدارس البديلة الذى نما نمواً سرطانياً على هامش المدارس الأصلية حتى أكلها وهضمها وجار حالياً لفظها، والسنتر قد ينجح فى حشو الأدمغة بمعلومات أو يضمن نجاح أصحابها فى الامتحانات لكنه أبداً لا يربى أو ينشئ أو يعمل على تخريج مواطن ومواطنة صالحين، بل العكس هو الصحيح، فهل ينتظر أحد منا أن يتوجه ابنه إلى السنتر وهو يعلم أنه بات بديل المدرسة، وأن «المستر» الذى يتقاضى منه بضعة آلاف فى الشهر إنما يشرح ما يمتنع عن شرحه فى الفصل وذلك لقلة راتب المدرسة ثم يتحول إلى خريج يطمح إلى القيام بعمله على خير وجه والمشاركة بدور فى بناء مجتمعه؟ طيب بأمارة إيه؟!

الأمارات التى تحيط بنا تؤكد أن المشكلة الحقيقية لا تكمن فى «آى باد» لكل تلميذ، أو منهج «حزمة» يحوى تاريخاً وجغرافيا وعلوماً ورياضيات يدرس بالعربية لطلاب المرحلة الابتدائية، أو وضع كلمة النهاية أمام إنجليزية المدارس التجريبية، أو إنعاش تجارة المدارس الخاصة وضمان اكتناز أصحابها للملايين فى مشروعاتهم التجارية الجبارة، أو تحويل الامتحان من مسابقة سكب للمعلومات المختزنة على ورقة الإجابة إلى تشغيل للمخ عبر أسئلة اختيارات أو «أوبن بوك إكزام».

الأمارات تشير إلى أن المعلم الذى ينجب من الأبناء ستة، لأن تنظيم الأسرة حرام، هو ذاته الذى سيدعو طلابه إلى مناقشة أهمية الأسرة الصغيرة اتقاء لشرور سباق الأرانب المتفجر، وتشير كذلك إلى أن نسبة كبيرة من سائقى التوك توك غير القانونى وغير المرخص، الذى يرتع فى أرجاء المعمورة نماذج حية تؤكد مما لا يدع مجالاً للشك أن الذهاب إلى المدرسة مضيعة للوقت واستنفاد للجهد والمال فى مقابل أن تكون أسطى فى العاشرة أو الـ11 من عمرك تحقق 150 جنيهاً يومياً تؤمن لك السجائر وتضمن لك رجولة مبكرة.

والأمارات تشير إلى أن المعلمين أصابهم ما أصاب بقية المجتمع، فكما أن سائق التاكسى الأبيض يرفض تشغيل العداد لأنه يريد قدراً أكبر من المال، فإن المعلم يرفض أن يشرح فى الفصل طلباً لقدر أكبر من المال فى الدرس الخصوصى.

الأمارات يطول شرحها ولا تنتهى أمثلتها، لكننا لا نملك الوقت الذى داهمنا قبل عقود وانفتحت أغطية بالوعاته التى كانت مغلقة بإحكام بعد يناير 2011.

أكذب إن قلت إننى أمتلك حلولاً أو لدىّ رؤى، ومن ثم فأنا على العهد باقية وعلى إجراءات تطوير التعليم غير معلقة! فالـ«بى» بالفعل خفيفة لكن الخيبة ثقيلة.

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بى خفيفة وخيبة ثقيلة بى خفيفة وخيبة ثقيلة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon