توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سدة شارعية قبل أن تكون سياسية

  مصر اليوم -

سدة شارعية قبل أن تكون سياسية

بقلم : أمينة خيرى

  على سبيل الاستقصاء ومن باب الاحتياط قبل إصدار الأحكام وإطلاق الاتهامات، كانت جولة صغيرة بين أطراف المشهد الفوضوى الغوغائى الذى نعيش فيه كفيلة بالإيقاع فى مزيد من الحيرة. فى الكوربة -أحد أحياء مصر الجديدة الراقية الجميلة سابقاً القبيحة الفوضوية حالياً- وفى صباح يوم من أيام منتصف الأسبوع، كان المشهد كالتالى: سيارات ملاكى وأجرة مصطفة صفوفاً ثانية وثالثة، بالإضافة إلى الصف الأول المتأرجحة أماكنه بين عربة بيع الموز وقراطيس حجز الأماكن أمام المحلات ومقاعد المقاهى الزاحفة والمتوغلة والمستوحشة دائماً وأبداً على حرم الطريق.

حارة واحدة متاحة لمرور السيارات، وذلك فى حال لم يقرر سائق ميكروباص أن يقف ليشعل سيجارته أو يحمل مزيداً من الركاب أو يتخلص من بعض منهم. وعلى جانب الطريق يقف أمينا شرطة ومعهما الباش سايس المعروف للقاصى والدانى فى المنطقة. كلمة من هنا وكلمة من هناك عن حال الشارع وسبب عدم تحرير مخالفات لهذه الكوكبة من المصطفين خارج القانون أدت إلى انصراف أحد الأمينين لشعوره أن الحديث لا يهمه. أما الآخر فقد كان أكثر حماسة وصدقاً، حيث أكد أن الغالبية المطلقة ممن يوقفون سياراتهم فى الممنوع هن زوجات وبنات ضباط شرطة وجيش! وبسؤاله عن هذه المعلومة العجيبة، قال إنه كلما همَّ بتحرير مخالفة لإحداهن باغتته بقولها: «ما تعرفش أنا مين؟»، وهى العبارة التى لا تعنى بالنسبة له (على افتراض صحتها) إلا أن قائلتها زوجة ضابط!

ولما سمع السايس سيرة الضابط لم يتوان عن التلميح والتلويح إلى أن الأمناء هم من يقومون بالعمل كله، ويطيقون ما لا يطيقه بشر من مجهود وصعوبات ومشكلات، فى حين أن الضابط راتبه أضعاف راتب الأمين ومهام عمله أهون وأسهل. وبسؤاله عن موقفه فى حال تخرج ابنه فى كلية الشرطة ووجد نفسه يتقاضى راتباً يوازى راتب أمين الشرطة نفسه؟ قال: لا طبعاً، أمال هو دخل الشرطة ليه؟! ما كان دخل معهد الأمناء وخلاص. ويعود الأمين الذى يدق على أوتار الدخل المتدنى والمعاش المستحق بعد سنوات الخدمة المتقلص.. إلخ. ولا تفلح جهود إعادته إلى المسار الأصلى للحوار حيث سبب ترك الساحة لكل هؤلاء المخالفين الذين يتركون سياراتهم فى رعاية السايس ومرمى نظر ووجود أمناء الشرطة حيث الأمر لا يعنيه كثيراً.

وعلى مرمى حجر وربما حجرين وفى شارع من أهم وأكبر شوارع مصر الجديدة، توك توك يقف فى إشارة روكسى المركزية، ولا تبدو على ملامح سائقه أية ملامح توتر أو أمارات تخوف، بل يدخن سيجارته بسعادة غامرة، ويسمع موسيقى مهرجاناته باستمخاخ واضح. ولمَ لا يفعل، وأمامه سيارة تحمل لوحة أرقام لدولة هولندا ودراجات بخارية تحمل لوحة تعريفية «صلى على النبى»؟

هذا المشهد الذى بات عادياً معتاداً لم يعد يستوقف كثيرين، صحيح أن البعض -وأنا منهم -يمارس الهبد والرزع على «فيس بوك» و«تويتر»، وأحياناً يثير البعض من الإعلاميين والصحفيين -وأنا منهم- مثل هذه المسائل الفوضوية العشوائية، إلا أن النتيجة «ولا حاجة». سألت مراراً من قبل: «أين يذهب رجال المرور؟»، واستنكرت بشدة أن يتم تعطيل إشارات المرور التى عاودت الظهور فى بعض الميادين والشوارع الرئيسية، وأن تكون مهمة اللجان المرورية فقط التدقيق فى رخص القيادة، لأن كوارث القيادة أفدح بكثير من التدقيق فى الرخصة، وعداد قتلى الأسفلت فى بلدنا دال، وحال أخلاق الشارع لدينا أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها ما بعد الكارثة بقليل. والحقيقة أن الكارثة تكتمل وتتأزم بردود فعل البعض من مسئولى المرور الذين إما «يناشدون» المواطنين التزام قواعد المرور (رغم أن منهم ومن قادة سياراتهم كثيرين لا يلتزمون)، أو أنهم يدافعون مستنكرين: «وهل نعيّن عسكرياً وراء كل مواطن؟».

مرة أخرى، توجيه اللوم والانتقاد للمسئولين عن المرور لا يعنى تقليلاً من دورهم، أو انتقاصاً من حجم الضغوط الواقعين تحتها، أو تجاهلاً لمصاعب الحياة التى يتعرضون لها، لكن المركب الذى نستقله جميعاً واحد، ومحاولات إغراقه المستمرة لا تقتصر فقط على المؤامرات الخارجية وجماعات الشر الداخلية والأوضاع الإقليمية والانتكاسات الدولية، لكن حجم الضرر الذى نلحقه بأنفسنا هائل.

وما دمنا فى وضع سياسى لا نُحسد عليه، فلماذا لا نوجه اهتمامنا لحال الشارع؟ ولماذا لا نعتبر ضبط الشارع طريقاً وسبيلاً إلى ضبط العنصر البشرى الذى بات أغلبه يستعذب الفوضى ويطرب للعشوائية، والبعض الآخر فقد الأمل وسلّم نفسه للإحباط لأنه لا يمثل سوى أقلية مستاءة وغير قادرة على الاحتماء فى القانون بعدما تخلى القائمون عليه عن دورهم؟! وأذهب إلى القول بأن ضبط الشارع قد يكون وسيلة لضبط السياسة: فمن يقوم بإيقاف سيارته فى الممنوع، أو قيادتها دون لوحة أرقام، كيف له أن يتمتع بفكر سياسى حكيم أو يمتلك بدائل ديمقراطية حقيقية؟ إنها سدة شارعية قبل أن تكون سياسية!

نقلا عن الوطن القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سدة شارعية قبل أن تكون سياسية سدة شارعية قبل أن تكون سياسية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon