توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سدة شارعية قبل أن تكون سياسية

  مصر اليوم -

سدة شارعية قبل أن تكون سياسية

بقلم : أمينة خيرى

  على سبيل الاستقصاء ومن باب الاحتياط قبل إصدار الأحكام وإطلاق الاتهامات، كانت جولة صغيرة بين أطراف المشهد الفوضوى الغوغائى الذى نعيش فيه كفيلة بالإيقاع فى مزيد من الحيرة. فى الكوربة -أحد أحياء مصر الجديدة الراقية الجميلة سابقاً القبيحة الفوضوية حالياً- وفى صباح يوم من أيام منتصف الأسبوع، كان المشهد كالتالى: سيارات ملاكى وأجرة مصطفة صفوفاً ثانية وثالثة، بالإضافة إلى الصف الأول المتأرجحة أماكنه بين عربة بيع الموز وقراطيس حجز الأماكن أمام المحلات ومقاعد المقاهى الزاحفة والمتوغلة والمستوحشة دائماً وأبداً على حرم الطريق.

حارة واحدة متاحة لمرور السيارات، وذلك فى حال لم يقرر سائق ميكروباص أن يقف ليشعل سيجارته أو يحمل مزيداً من الركاب أو يتخلص من بعض منهم. وعلى جانب الطريق يقف أمينا شرطة ومعهما الباش سايس المعروف للقاصى والدانى فى المنطقة. كلمة من هنا وكلمة من هناك عن حال الشارع وسبب عدم تحرير مخالفات لهذه الكوكبة من المصطفين خارج القانون أدت إلى انصراف أحد الأمينين لشعوره أن الحديث لا يهمه. أما الآخر فقد كان أكثر حماسة وصدقاً، حيث أكد أن الغالبية المطلقة ممن يوقفون سياراتهم فى الممنوع هن زوجات وبنات ضباط شرطة وجيش! وبسؤاله عن هذه المعلومة العجيبة، قال إنه كلما همَّ بتحرير مخالفة لإحداهن باغتته بقولها: «ما تعرفش أنا مين؟»، وهى العبارة التى لا تعنى بالنسبة له (على افتراض صحتها) إلا أن قائلتها زوجة ضابط!

ولما سمع السايس سيرة الضابط لم يتوان عن التلميح والتلويح إلى أن الأمناء هم من يقومون بالعمل كله، ويطيقون ما لا يطيقه بشر من مجهود وصعوبات ومشكلات، فى حين أن الضابط راتبه أضعاف راتب الأمين ومهام عمله أهون وأسهل. وبسؤاله عن موقفه فى حال تخرج ابنه فى كلية الشرطة ووجد نفسه يتقاضى راتباً يوازى راتب أمين الشرطة نفسه؟ قال: لا طبعاً، أمال هو دخل الشرطة ليه؟! ما كان دخل معهد الأمناء وخلاص. ويعود الأمين الذى يدق على أوتار الدخل المتدنى والمعاش المستحق بعد سنوات الخدمة المتقلص.. إلخ. ولا تفلح جهود إعادته إلى المسار الأصلى للحوار حيث سبب ترك الساحة لكل هؤلاء المخالفين الذين يتركون سياراتهم فى رعاية السايس ومرمى نظر ووجود أمناء الشرطة حيث الأمر لا يعنيه كثيراً.

وعلى مرمى حجر وربما حجرين وفى شارع من أهم وأكبر شوارع مصر الجديدة، توك توك يقف فى إشارة روكسى المركزية، ولا تبدو على ملامح سائقه أية ملامح توتر أو أمارات تخوف، بل يدخن سيجارته بسعادة غامرة، ويسمع موسيقى مهرجاناته باستمخاخ واضح. ولمَ لا يفعل، وأمامه سيارة تحمل لوحة أرقام لدولة هولندا ودراجات بخارية تحمل لوحة تعريفية «صلى على النبى»؟

هذا المشهد الذى بات عادياً معتاداً لم يعد يستوقف كثيرين، صحيح أن البعض -وأنا منهم -يمارس الهبد والرزع على «فيس بوك» و«تويتر»، وأحياناً يثير البعض من الإعلاميين والصحفيين -وأنا منهم- مثل هذه المسائل الفوضوية العشوائية، إلا أن النتيجة «ولا حاجة». سألت مراراً من قبل: «أين يذهب رجال المرور؟»، واستنكرت بشدة أن يتم تعطيل إشارات المرور التى عاودت الظهور فى بعض الميادين والشوارع الرئيسية، وأن تكون مهمة اللجان المرورية فقط التدقيق فى رخص القيادة، لأن كوارث القيادة أفدح بكثير من التدقيق فى الرخصة، وعداد قتلى الأسفلت فى بلدنا دال، وحال أخلاق الشارع لدينا أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها ما بعد الكارثة بقليل. والحقيقة أن الكارثة تكتمل وتتأزم بردود فعل البعض من مسئولى المرور الذين إما «يناشدون» المواطنين التزام قواعد المرور (رغم أن منهم ومن قادة سياراتهم كثيرين لا يلتزمون)، أو أنهم يدافعون مستنكرين: «وهل نعيّن عسكرياً وراء كل مواطن؟».

مرة أخرى، توجيه اللوم والانتقاد للمسئولين عن المرور لا يعنى تقليلاً من دورهم، أو انتقاصاً من حجم الضغوط الواقعين تحتها، أو تجاهلاً لمصاعب الحياة التى يتعرضون لها، لكن المركب الذى نستقله جميعاً واحد، ومحاولات إغراقه المستمرة لا تقتصر فقط على المؤامرات الخارجية وجماعات الشر الداخلية والأوضاع الإقليمية والانتكاسات الدولية، لكن حجم الضرر الذى نلحقه بأنفسنا هائل.

وما دمنا فى وضع سياسى لا نُحسد عليه، فلماذا لا نوجه اهتمامنا لحال الشارع؟ ولماذا لا نعتبر ضبط الشارع طريقاً وسبيلاً إلى ضبط العنصر البشرى الذى بات أغلبه يستعذب الفوضى ويطرب للعشوائية، والبعض الآخر فقد الأمل وسلّم نفسه للإحباط لأنه لا يمثل سوى أقلية مستاءة وغير قادرة على الاحتماء فى القانون بعدما تخلى القائمون عليه عن دورهم؟! وأذهب إلى القول بأن ضبط الشارع قد يكون وسيلة لضبط السياسة: فمن يقوم بإيقاف سيارته فى الممنوع، أو قيادتها دون لوحة أرقام، كيف له أن يتمتع بفكر سياسى حكيم أو يمتلك بدائل ديمقراطية حقيقية؟ إنها سدة شارعية قبل أن تكون سياسية!

نقلا عن الوطن القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سدة شارعية قبل أن تكون سياسية سدة شارعية قبل أن تكون سياسية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon