توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بعيداً عن الملعب

  مصر اليوم -

بعيداً عن الملعب

بقلم: أمينة خيرى

لا أفهم كثيراً فى كرة القدم، ولا تستهوينى من ألفها إلى يائها، لكن أحب متابعة هوامشها وأهوى ملاحظة آثارها الجانبية، السلبى منها والإيجابى، وأدافع بشدة عن الدور الذى تلعبه فى احتواء ملايين الصغار والمراهقين والشباب، سواء بالممارسة أو الهواية أو التشجيع، وأحب لمة الأهل والأصدقاء وحتى الأغراب فى المقاهى لمتابعة المباريات المهمة، حيث تطغى الأجواء الاحتفالية رغم أنف الفائز والخاسر.

الفوز والخسارة اللذان يطلان برأسيها هذه الآونة، وبعد سنوات ما بعد ثورة يناير العجاف، لهما أوجه عدة ودلالات كثر. على صعيد الفوز، فازت مصر بسمعة عالمية فرضت نفسها بالفعل لا بالقول، وبالحجة والبرهان لا بفرد العضلات أو فرض المواقف، حيث تنظيم مبدع وتأمين هائل وإبهار دون افتعال وذوق راق منزه عن الابتذال.

وقد بذلت جهداً خارقاً لأمنع نفسى من كتابة السطرين التاليين، لكنى فشلت، فإذا كانت لدينا هذه القدرة الخارقة على التنظيم، وتلك الملكة الرائعة فى الضبط والربط، فلماذا لا تظهر هذه القدرات فى الشارع الذى يئن تحت وطأة العشوائية ويتألم لفرط الهمجية فى المرور والنظام والنظافة والتعديات؟ وما الذى يحول دون ضبط إيقاع الشارع الذى اعتنق النشاز وأدمن السوقية بنفس المهنية والرقى والحسم والحزم التى أبهرتنا فى تنظيم فعاليات كأس الأمم الأفريقية؟

خروج مصر من الدور الـ16 فى البطولة كان خسارة محزنة، لكن الحزن وحده لا طائل منه، الطائل الحقيقى يقبع فى كشف أسباب الخروج وتعرية عوامل الفشل، التى يعرفها الجميع بشكل أو بآخر، ولا يجرؤ أحد على الخوض فيها. الفساد والمحسوبية والعشوائية والمجاملات وانعدام التخطيط وغيرها آفات تنخر فى عظامنا منذ عقود، فأن يأتى اليوم ويتاح للجميع الحديث عن هذه الآفات والتعبير الشعبى الجارف الراغب فى محاصرتها وفضح أبطالها فهذا فوز عظيم.

فوز عظيم ورائع آخر ذلك الذين تحقق على يد اللاعب عمرو وردة، فأن يجاهر قطاع ليس قليلاً من الشعب المصرى بموقف رافض للتحرش بدون «أصل البنت هى السبب» و«أكيد هى شجعته» و«هيعاكسها على إيه دى؟! حتى وحشة»، فهذا ضمن لائحة إنجازات كأس الأمم الأفريقية.

كأس الأمم الأفريقية ليست نهاية كرة القدم أو علامتها الفارقة الوحيدة، لكن نهاية الأخلاق وعلامة تضاؤلها الفارقة تكمنان فى أن يخسر الإنسان احترامه لنفسه أو اتساقه مع مبادئه وقواعده، أن تحب محمد صلاح وتعتبره قدوة وترسم صورته على الجدران وأبواب المقاهى وتفخر بأنك مصرى فى بلاد الفرنجة التى تنظر شعوبها إلى صلاح باعتباره أيقونة ورمزاً وقدوة، فهذا حقك ورأيك، لكن أن تقلب عليه الطاولة وتبيعه وتهبده على الأرض بعد ما كان فى سابع سماء لأنه لم يحرز هدفاً فى مباراة أو جاهر برأيه فى الأوضاع أو أتى بتصرف اعتبرته مجانباً للصواب، فهذه معضلة لأنها تعنى أن سيادتك لا أمان لك، فإن لم تجد فى داخلك ما يمنعك من صب اللعنات وسكب التوعدات على من كان بالأمس القريب حبيبك ومثلك الأعلى وقدوتك، فأنت تواجه مشكلة كبرى، وفى سياق آخر، تبقى معضلة استمرار محبة من ثبت ضلوعه سواء بالانتماء الفكرى أو الفعلى لجماعة إرهابية مثاراً للشد والجذب والمكايدة الثورية.

سنوات ما بعد ثورة يناير ألقت بظلال كثيرة، بعضها وخيم، على كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا، وبدلاً من توحد الجهود، وتنظيم الصفوف، إذ بالجهود تذهب هباء أحياناً. فن صناعة من الحبة قبة يمكن تعلمه من نشاطنا على فيسبوك على مدار ساعات اليوم الـ24، تحويل تشجيع المنتخبات العربية التى بقيت بعد خروج المنتخب المصرى إلى قومية عربية ودفاع عن العروبة أمر مبالغ فيه كثيراً، وتطوير السجال بين مشجعى السنغال وداعمى الجزائر إلى مواجهة حامية الوطيس بين التاريخ والجغرافيا والفلسفة والسياسة أمر عجيب، ولولا أن السنغال دولة مسلمة، شأنها شأن الجزائر لدخل الدين على الخط وتلونت المواجهة بألوان الفوقية الدينية والعنصرية العقائدية.

عقيدة كرة القدم ليست كغيرها بكل تأكيد، ولا مجال للحديث النظرى عن وضع خطوط فاصلة بينها وبين السياسة، أو الجغرافيا، أو التاريخ، وحتى العائق الوحيد الذى ظل عصياً على الإزالة تم نسفه، ألا وهو أن كرة القدم لعبة ذكورية بامتياز. الفرق النسائية باتت سمة عادية فى الكثير من بلدان الأرض، صحيح أن بلداناً أخرى ما زالت غارقة فى أمواج العصور الوسطى محرمة لعب الفتيات ومجرمة ركض البنات، لكن واقع الحال يشير إلى أن كرة القدم متاحة لكل من هو قادر وراغب فى ركل الكرة وتشاركها والاستحواذ عليها ثم ركلها مجدداً على أمل إحراز هدف.

كان كأس الأمم الأفريقية فى دورته الـ32 حالة فريدة من الفوز والخسارة والدروس والمكاشفات وجذب من لا ناقة لهم أو جمل لها، ولكن بعيداً عن أرض الملعب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعيداً عن الملعب بعيداً عن الملعب



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon