كنت على يقين بأن ما قرأته على صفحة أحد الأصدقاء على «فيسبوك» هو شكل من أشكال الهرى العنكبوتى المعتاد. لكن وجدت الخبر نفسه معاداً تداوله عشرات المرات، فبحثت عن أصله لأفاجأ بأنه حقيقى. «وزارة الأوقاف قررت تسيير قوافل دعوية من شباب الأئمة المتميزين إلى مدينة العلمين ومنطقة الساحل الشمالى طوال فترة الصيف، وذلك لما تشهده هذه المنطقة من إقبال طيلة فترة الصيف»!
فترة الصيف التى تذهب فيها طبقات بعينها من المصريين إلى قرى الساحل الشمالى الفارهة حيث «جو الساحل» و«فورمة الساحل» و«أمبيانس الساحل» ستشهد قوافل دعوية دينية من قبل شباب الأئمة. وقبل أن تسارع جيوش الدفاع الإيمانى المهيبة وجحافل التدين الحنجورى الرهيبة إلى تصويب سهام السفسطة حيث المصيف والدين لا يتعارضان، وعسى أن تكون هداية العاصين والعاصيات على أيدى أئمة هذه القوافل، إلخ، أقول إن مسألة قوافل الساحل فيها معضلتان. الأولى هى أن طبيعة شعب الساحل الصيفى ليست من النوع الذى يهرع إلى أكشاك الفتوى للسؤال عن حكم وضع القطرة فى العين، ومآل من دخل الحمام بالرجل اليمين وليس الشمال.
نظرة طبقية؟
لا، إنها نظرة واقعية شئنا أو أبينا.
نعم، كما قرأت تماماً، الغالبية المطلقة من هذه النوعية من رواد الساحل لن يهرعوا إلى المشايخ الذين سيهبطون عليهم فى عقر قراهم المليونية.
وهل هذا يعنى أن هذه النوعية غير متدينة؟
لا، بينهم المتدينون والـ«نصف نصف» وغير المتدينين، شأنهم شأن بقية المصريين، لكن نسخة التدين الشعبوى المتمثلة فى كشك فتوى فى محطة مترو أو الخطبة التى تعتمد على الصراخ والتهديد والوعيد ليست البضاعة الأكثر رواجاً بينها.
لماذا؟
لأسباب يطول شرحها تتراوح بين نوعية التعليم، والتنشئة، وعدم انصياعها وراء دعوات تكفير التفكير، وغيرها.
هل هذا يعنى أنها نوعية أفضل أو أرقى أو أحسن من غيرها من المصريين؟
لا، ليس بالضرورة، بينها ناس أفاضل، وبينها كذلك ناس ولاد كذا أيضاً، شأنهم شأن بقية المصريين.
أما المعضلة الثانية فهى أن وزارة الأوقاف لم تصارحنا بسبب هذه الفكرة اللوذعية ودواعيها. فإذا كان الزحام وإقبال المواطنين هو السبب، فأقول عن خبرة أن شبرا مزدحمة جداً وتشهد إقبالاً مليونياً من قبل سكان شبرا الخيمة والمؤسسة والسبتية وبنها وغيرها فى الصيف أيضاً. وإذا كان السبب أن وزارة الأوقاف رأت فى شعب الساحل -لا سمح الله- ما يستدعى التقويم والهداية، فعليها قبل أن تكلف خاطرها وترسل مشايخها الشباب أن تستطلع مدى تقبل شعب الساحل لهم، وإلا فستكون تكلفة على الفاضى. وإذا كانت وزارة الأوقاف رأت فى القوافل الدعوية الساحلية الصيفية مدخلاً لتجديد الخطاب الدينى المتعثر المتأزم السائر إلى الخلف، فنود أن نذكرها ونذكر أنفسنا أن الغرض من دعوة الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى جاءت بعد مواجهة جريئة ورائعة من قبل رأس الدولة ليصارحنا بأن فى التفسيرات والاجتهادات والأساطير والشوائب التى لحقت بالدين الإسلامى الحنيف فى العقود الأخيرة ما جعل البعض يفجر نفسه فينا ويذبحنا ويقتلنا ويكفرنا أملاً فى الجنة وإرضاءً لله (سبحانه وتعالى).
ونود أن ننوه فى هذا الصدد بأن شعب الساحل -حتى وإن اعتبره البعض يعيش عيشة مختلفة فى تفاصيلها عن القاعدة العريضة من المصريين- ليس المصدر الرئيسى للمفجرين والجزارين والمكفرين وتجار الدين ومغسولى الأدمغة الذين يصدقونهم ويسلمونهم عقولهم. وبالتالى، فإن الأجدر بالوزارة أن تعدل وجهة الأئمة الشباب إلى أى من الوجهات الأخرى المعروف عنها تصديرها للإرهاب والإرهابيين. (راجع قوائم المحافظات الأكثر فقراً وأمية وخصوبة والعلاقة الوثيقة بينها وبين المحافظات المسيطر عليها من قبل جماعات الإسلام السياسى وفى قول آخر تجار الدين).
ولماذا تصدر هذه الأماكن الإرهاب والإرهابيين؟
لأنه تم تسليم العديد منها تسليم أهالى فى عهود سابقة للسلفيين والإخوان يرتعون فيها ويتحكمون فى عقول سكانها على مدى عقود مستمرة حتى اللحظة. خذ عندك مثلاً عزيزى القارئ هذا السؤال الحيوى الاستراتيجى المحورى المركزى الذى ورد إلى «الشيخ» الدكتور ياسر برهامى الذى تصدر له وزارة الأوقاف تصريحاً يتجدد بالخطابة. «امرأة تبلغ من العمر 70 عاماً، كان قد جامعها زوجها فى نهار رمضان قبل 40 عاماً، ولم تعلم بحرمة هذا الأمر إلا فى هذه الأيام، فماذا عليها؟ وماذا على زوجها مع العلم أنه ميت؟».
نعم، هذه هى الأسئلة التى تشغل بال ملايين من المصريين فى العام الـ19 من الألفية الثالثة.