بقلم: أمينة خيرى
لديك موهبة، لكن ماذا تفعل بها؟ كثيرون هنا وهناك لديهم مواهب، منها ما ينفع صاحبها، ويفيد من حوله، ومنها ما تنزل وبالاً عليه وتصيب من حوله بالبلاء. وبينما أشاهد فيلم «علاء الدين» وبطله مينا مسعود، لا يسعنى سوى تذكر الفنان محمد رمضان.
أرى تشابهاً فى الموهبة، مع فروق كبرى فى استخدامها، وكذلك الآثار المنعكسة على المتلقين. فبينما «علاء الدين»، هذه الملحمة الشرقية وعمرها مئات الأعوام ما زالت تعلم وتمتع وتثقف وتوعى أجيالاً فى مشارق الأرض ومغاربها، نبحث نحن عن قصص غربية ننقل عنها وأفلاماً هوليوودية نقتبس منها. والنقل ليس عيباً، والاقتباس ليس جريمة، لكن ماذا عن لمسات التحديث ومحاولات العثور على ما نفتقده فندمجه، أو ما نحتاج إليه فنضيفه؟
الإضافات التى نضيفها فى أغلب الأحيان لأفكار مقتبسة تكون «عركة مصرية» هنا، أو وصلة ردح بلدية هناك، أو بلطجة وفرض عضلات وتعاطى مخدرات حتى وإن كان النص المقتبس لا يحتاج لهذه التوابل الحريفة.
لكن التوابل الحريفة من شأنها أن تغطى على طعم الطعام الردىء أو تكلفته الهزيلة، فتعطيك هذا الإحساس الكاذب بأن الأكلة شهية جداً وأن الحبكة لا مثيل لها. التوابل تمدنا بإحساس وقتى كاذب ومدعٍ بأن ما نأكله هائل ولا منافس له. لكن آثارها العكسية سرعان ما تظهر وتتمدد وتتوغل وتصبح هى سيدة الموقف: وجع بطن، قيمة غذائية صفر، وتبديد للإمكانات والمواهب التى كان يمكن استثمارها بشكل أفضل لتخرج منتجاً ذا قيمة.
قيمة فنان مثل محمد رمضان كبيرة، ولا تقل بأى حال من الأحوال عن بطل «علاء الدين»، الشاب الموهوب وصاحب الرصيد الأكبر فى عوامل وأفعال إثارة الجدل بين الممثلين الشباب. الأعمال القليلة التى تابعتها لـ«رمضان» تؤكد أنه طاقة كبرى وموهبة عظيمة وكاريزما لا يستطيع أحد إنكارها بين جمهوره الغفير. وكان يمكن أن يتم استغلال كل ما سبق لصالح «رمضان» وجمهوره والمجتمعات التى ينتمون لها، لكن الاستغلال الأمثل يتطلب تخطيطاً، والتخطيط يعنى امتلاك رؤية واضحة حول الإمكانات المتاحة، وسبل استغلالها، والطرق المثلى لاستغلالها، وتهيئة البيئة المواتية مع اتخاذ إجراءات لضمان استمرارية الفوائد المرجوة.
جمهور «رمضان» المحب له والمعجب بأدائه والمتيم بالنماذج الملتبسة التى أبدع فى تقديمها فى الحياة وعلى الشاشة كان يمكن استخدام «رمضان» لتثقيفه وتوعيته وتقديم يد العون له. فنموذج مثل «رمضان» قادر عبر استغلاله بالشكل الأمثل لينقذ هذا الجمهور نفسه بنفسه. «رمضان» عودنا على أن يكون البلطجى الجدع، أو السفيه المثير، أو الصنايعى المحارب للمخدرات والإدمان، أو زعيم العصابة الذى ما زال ابناً باراً بأهله، أو الممثل الناجح الثرى لكن المسىء لهذا النجاح وذلك الثراء، أو نمبر وان و«ولا حاجة»! وقدرته على تقديم هذه النماذج المتناقضة تؤهله بالفعل لأن يكون «نجم» فئات عريضة فى المجتمع.
المجتمع الذى يحمل فى طياته قدراً هائلاً من المتناقضات حيث مشاهد البلطجة تبهر، والنماذج الضاربة بالقوانين عرض الحائط تمثل قدوة، ما زال قادراً على مشاهدة «علاء الدين» ونجمه «مسعود» وهما يبهران المشاهد بقيم وأفكار ورسائل ومادة فكرية تفتح أبواب التفكير النقدى على مصاريعها.
الصراع الأزلى بين الخير والشر ما زال حياً يرزق، لكنه يتخذ أشكالاً فكرية أكثر منها صراعات تقليدية. هل يمكن لحرامى السوق أن يرتقى بحرفته؟ وهل يمكن أن يتخلى عن السرقة حين يجد معنى أكبر لحياته؟ وما قيمة الجملة التى قيلت فى الفيلم «اسرق تفاحة تصبح حرامى، واسرق بلداً تصبح رجل دولة»؟، وما الذى يمكن أن يخرج به المشاهد من المعنى المحورى للفيلم بأن القوة المطلقة لا تعنى أبداً المنطق أو الحكمة المطلقين؟! ولماذا يظل المشاهد متعلقاً بـ«علاء الدين» (مينا مسعود) وهو يتقلب من حرامى سوق إلى حرامى جدع شهم يدافع عن الحق؟
أسئلة علينا أن نسألها لأنفسنا، ولمحمد رمضان أن يسألها لنفسه. جمهور محمد رمضان له حق عليه وعلى صانعى الدراما. وتقديم الدراما المؤثرة فى المتلقى تأثيراً قادراً على إحداث التغيير الإيجابى لا يعنى أبداً أن تكون بلا عائد ربحى أو مصنوعة بغرض التوجيه والإرشاد الصريحين، وكما أن الأفلام الأمريكية تقدم أحياناً أفلاماً هابطة منزوعة الفكرة خالية المضمون معتمدة على بعض من مشاهد العنف أو الجنس أو كليهما، فهى أيضاً تقدم أفلاماً مؤثرة تحمل الكثير من الرسائل والقيم التى تؤثر إيجاباً أو تحمل فكراً أو تدعو إلى الإبداع.
الإبداع الحقيقى لدى أى فنان هو قدرته على عمل التوازن الصحى والواقعى المطلوب بين تحقيقه الشهرة والانتشار وتكوين ثروة يستحقها وتقديم ما من شأنه أن يفيد بيئته ومجتمعه، لا سيما إن كان قد أنعم الله عليه بنعمتى محبة الجماهير العريضة، ما يعنى القدرة على التأثير فيها، مع الموهبة القادرة على تغيير الجلد وتعديل الدفة.