بقلم: أمينة خيرى
فى بلد كمصر حيث الشكوى على مدار ساعات الليل والنهار من الفقر وضيق ذات اليد، وأخماس تضرب فى أسداس فى محاولات للتدابير والتوافيق بين الموارد والإمكانات المتاحة من جهة ومتطلبات الإنفاق من جهة أخرى، ما زالت خصوبة المرأة المصرية 3٫26 طفل لكل منهن بحسب إحصائيات البنك الدولى. وهذه نسبة تفوق الكثير من الدول العربية بما فيها تلك التى تحظى بمتوسط دخل أكبر ومستوى معيشى أفضل بل ومساحة دولة أكبر.
والغريب أنه بينما الغالبية العظمى من الأحاديث فى مصر تدور حول المعيشة وصعوبتها، والأسعار النار، والرغبة فى قدر أكبر من الخدمات المدعمة، وانتشار أوسع لبطاقات التموين وأى شكل من أشكال الدعم سواء العينى أو المادى، تجد أن نسبة معتبرة من الشاكين تعتمد فى شكواها على عدد أطفالها الكبير «عندى أربع عيال ومش عارف أعلمهم»، «عندى خمس عيال وفيهم واحد عيان مش عارف أعالجه»، «ربنا رزقنى بسبع عيال ومش قادر على مصاريفهم»، إلى آخر العدد المرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدم القدرة. تشعر وكأن المتحدث استيقظ ذات صباح ليجد نفسه وقد أنجب قرطة عيال. وبالطبع فإن فكرة التخطيط ولو البدائى، أو الحساب ولو البديهى لشكل الحياة بعد إنجاب العيال أقرب ما يكون إلى الحديث عن طائر الرخ الأسطورى أو حيوان السلمندر الأحفورى. وأذكر أننى فى مرة سألت أحدهم، وهو معلم فاضل ظل يشكو شظف العيش وضيق الحياة، عن سبب إنجابه لخمسة أطفال طالما راتبه لا يتعدى الألفى جنيه؟ فإذا به يحوقل ويكبر ويندد. وأعتقد أنه لولا وجودنا فى مكان عام لاتهمنى بالكفر. ولأنه مدرس لغة عربية فقد أغدق علىّ بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة والمرسلة والمرفوعة والمسندة عن حرمانية التدخل فى مشيئة الله أو الحد من الإنجاب، بل وجوب الحرص على زيادة الذرية والتكاثر. وبالطبع لم يذكر المعلم الفاضل شيئاً عن نوعية الذرية من حيث التعليم والتربية والتنشئة وغيرها من متطلبات الذرية الصالحة.
ومنذ ذلك اليوم وأنا أتخيل مئات وآلاف الأولاد والبنات الذين يخرجون من تحت يد هذا المعلم الذى حتماً يغرس فيهم حب التكاثر العددى ويعضده بسند دينى، وهو السند الذى يشهره فوراً مهدداً ومنذراً كل من تسول له نفسه المطالبة بالتنظيم والحرص على الكيف وليس الكم فقط فى العيال. وإذا كان هذا هو حال البعض من المنوط بهم تربية النشء، فماذا عن البعض الآخر من المنوط بهم توعية المصريين دينياً ولكن من تحت المنابر وليس فوقها؟ وكم من سيدة أعرفها تعانى معاناة رهيبة بسبب كثرة عدد الأبناء وتدنى الأحوال المعيشية. وكثيراً ما تأتى الإجابة متمحورة حول الحرمانية الدينية، حيث شيخ الجامع قال «لا، حرام» أو شيخ الزاوية خوّف الزوج من مغبة التدخل فى مشيئة الله.
وبتقديم المشيئة يمكن القول بأننا فى حال إصرارنا على منافسة الأرانب ومناطحة المنطق فسنتصارع من أجل الهواء الذى نشمه وليس المياه التى نشربها فقط. والحقيقة أننا وصلنا مرحلة تستوجب التدخل السريع. فلا حملات توعية ستؤتى ثمارها حيث الاكتفاء باثنين، ولا درس القراءة الوارد فى كتاب اللغة العربية سيؤدى إلى قناعة غير تلك التى يغرسها الكثيرون فى المدارس والمساجد والبيوت.
وأحد الآثار الكثيرة لسلفنة المجتمع على مدار العقود الأربعة الماضية هو ما نشهده من مقاومة مجتمعية شديدة للكثير من الأفكار التنويرية، والهرع إلى القوى الدينية لسؤالها عن الحلال والحرام فى شئون الدنيا. وبالطبع فإن قوائم لا حصر لها من المحرمات تخضع لتفسير وتأويل المفسرين. كما أن ملامح الحياة المدنية آخذة فى التآكل لحساب وصالح الحياة المتلونة بالتدين.
ويشعر البعض بأن مسألة السيطرة على سباق الأرانب لا تشغل بال المسئولين كثيراً. صحيح أنهم غارقون فى كم مذهل من القضايا والمشكلات وكذلك الإنجازات التى لا ينكرها إلا جاحد، لكن القنبلة السكانية لم تعد موقوتة، لكنها تنفجر فى وجوهنا كل يوم.
منظر عاملات النظافة اللاتى يكنسن شوارع مدينة الشروق على سبيل المثال لا الحصر، وكثيرات منهن يحملن رضيعاً ويتركن آخرين تحت شجرة ينم عن مأساة. والسير الذاتية لسائقى التوك توك تعكس حرماناً من التعليم والرعاية والتربية لأنهم أرقام فى أسرهم أكثر من كونهم أفراداً. وقصص الأطفال الذين نراهم أينما ذهبنا من ورشة ميكانيكا إلى صبى مكوجى إلى عامل فى مطعم إلى عاملة منزل وغيرهم تحكى عن إنجاب خارج حدود المنطق.
وحين يغيب المنطق تتضاءل حملات التوعية لتتحول مادة فيلمية لا قيمة لها. والمطلوب الآن تدخل سريع فى سجل المواليد، على أن تأتى التوعية والمناشدة والاستعطاف لاحقاً.