توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القبح حرام شرعاً؟

  مصر اليوم -

القبح حرام شرعاً

بقلم : أمينة خيرى

 «الإخوان والعلمانيون وجهان لعملة واحدة»، «اللايكات الوهمية وغير الحقيقية حرام شرعاً»، «الروبوت حرام لو كان على شكل إنسان»، «حكم الشرع فى إزالة الشعر الزائد بين الحاجبين»، «حكم لايك المرأة لبوست الرجل على فيسبوك».. والقائمة المثيرة الغريبة طويلة.

نعم! حذّر رجل دين ذائع الصيت من أن كلام كل من الإخوانى والعلمانى يختفى من على شاشة التليفزيون ما إن يختفى صاحبه، أما القضايا الأخرى المهمة والحيوية التى يطرحها كباء الأئمة والمشايخ فتظل باقية دائمة طيلة الحياة. ونعم، يصول المصريون والعرب ويجولون هذه الآونة فى فتوى تشير إلى أن الـ«لايك» على «فيسبوك» فى حال كانت وهمية ولا تعبّر عن زيارات المستخدمين ورؤيتهم الحقيقية للتدوينة أو الإعلان، فهى صورة من صور التعامل المحرم شرعاً.

هذه وغيرها الآلاف مما يشغل بال ملايين المواطنين وفكر وجهد الأئمة وعلماء الدين من أجل تفنيدها والرد عليها فى كفة، وما لا يشغل بال الغالبية فى كفة أخرى، فما حكم من يذهب إلى عمله «كده وكده» ويجلس على مكتبه «كده وكده»، ويتظاهر بأنه ينجز عمله «كده وكده»، ثم يتقاضى راتبه آخر الشهر فعلياً وليس «كده وكده»، فهل هذا يجوز شرعاً؟

وما رأى العلماء فى من ينزل من بيته دون أن يتكبّد عناء الاستحمام وتنبعث منه روائح كريهة يتوجه بها إلى المسجد والعمل ووسائل المواصلات العامة؟ وما موقفهم تجاه من ينعت من يؤمنون بفكر سياسى يرى ضرورة عدم إقحام الدين فى الدولة أو الدولة فى الدين بأنهم كفار وزنادقة؟ وما رأيهم فى من يستولى على الأرصفة باعتبارها امتداداً لمحله يعرض عليها بضاعته ويمنع المارة من المشى عليها والنزول اضطراراً فى عرض الطريق معرضين حياتهم لخطر الدهس؟

وهل سمع من يفتوننا عن محدودية قدرات النساء على إصدار الأحكام فى المحاكم، أو قيادة الرجال فى العمل، أو اتخاذ قرارات فى مواقع مهمة، عن رئيسات للوزارات فى أكبر وأقوى وأهم دول العالم؟ هل تخيل أحدهم مثلاً شكل السيدة أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، وهى تسأل زوجها إن كان يسمح لها أن تزور أمها قبل أن تذهب إلى مكتبها حيث تقود إحدى أكبر وأقوى دول العالم للمرحلة الرابعة؟ وهل يتصور أحد ما يمكن أن يدور فى رأس السيدة تيريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا، مثلاً، أو كريستين لا جارد، مديرة صندوق النقد الدولى، حول فتاوانا البشرية التى تصول وتجول حول كون الرجل أفضل من المرأة وأنه قوّام عليها لأنه يتحمل مشاق وأعمالاً لا تقوى هى عليها، وأن عقل الرجل أكمل من عقل المرأة وذلك حتى يصونها ويحفظها ممن يدنس عرضها لأنها موضع طمع الرجال للاستمتاع بها وقضاء وطرهم الجنسى منها، لذا تكون فى أشد الحاجة إلى من يحميها منهم؟!

ألم يحن وقت أن «نقبّ» على «وش» العقل والمنطق ونقيّم ما جرى لأدمغتنا من تشويه منذ أقنعنا البعض بأن التفكير حرام والمنطق بغيض والعلم مكروه والجمال رجس؟ أوليس الوقت مناسباً لخوض رجال الدين فى مسائل تتعلق بواقعنا القبيح المعيش بسبب تقاعسنا عن العمل والضمير والنظافة والعقلانية واحترام حقوق الغير وخصوصيتهم وآدميتهم؟

هل لرجال الدين الأجلاء أن يخوضوا حروباً شرسة لنصرة تعليق عشرة ميكرفونات أعلى الزوايا المقامة على الأرصفة وليس لنصرة حق المرأة الواقعة تحت براثن مجتمع متحرش بالنساء قولاً وفعلاً وشعوراً، أو لطلب التبرعات من أجل المسكين فلان الذى أنجب من العيال عشرة أو 11 أو 12 لإطعامهم وعلاجهم دون أن يسأل عن جرم ارتكبه «المسكين» فى حق عياله الذين أنجبهم دون تفكير وحق المجتمع الذى يحمّله مسئولية تكاثره الأرنبى؟

وهل يكتفى البعض من رجال الدين بوصم الزوجة التى تمتنع عن العلاقة الحميمة مع زوجها بـ«الآثمة» ويصفون أسبابها المتعلقة بقلة نظافته الشخصية وعنفه وتعامله معها وكأنها بهيمة بـ«الأسباب الواهية»؟

ألم يلاحظ أحد هيمنة مظاهر التشدد الشكلى فى شوارعنا جنباً إلى جنب مع الانحطاط السلوكى؟ وأنه مع تزايد مظاهر التدين الشديد تتزايد جرائم التحرش وأحداث وحوادث العنف بين المواطنين، لكن هذا لا يزعج الغالبية؟

تخلصنا من حكم الإخوان، لكن آثار فكرهم ومغبة الضحك على العقول بذقونهم متغلغلة فى قلوب وعقول الكثيرين. ألا تثير هذه الفجوة العميقة البعيدة الكبيرة بين هذا المظهر الملتزم وهذا السلوك المنفلت دهشة أحد؟ ألا تستحق البلاد نظرة متأنية إلى دور مؤسسات ومراكز وشخصيات التثقيف والتنوير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ألا يستحق العباد بعضاً من اهتمام بمكوّنهم الفكرى والثقافى، ومخزونهم الحياتى المعرفى؟

وهل يمكن محاكمة أولئك الذين أقنعوا الملايين بأنه كلما عاش الإنسان حياته فى قبح وأسى وكآبة وسواد وعذاب ومعاناة كان إلى الله أقرب وإلى الجنة أسرع؟ وإن لم تكن المحاكمة ممكنة، فهل يمكن إلقاء طوق نجاة الإنقاذ التنويرى للصغار قبل أن ينضموا لمواكب القبح والفصام بين المظهر والجوهر؟ أليس الضحك على العقول وتقديم القبح لها باعتباره طريقهم إلى الجنة حراماً شرعاً؟

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القبح حرام شرعاً القبح حرام شرعاً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon