توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مخالب المحتكرين

  مصر اليوم -

مخالب المحتكرين

بقلم : أمينة خيري

وها هى فرصة ذهبية أخرى فى الإمكان اقتناصها، أو تركها تمضى كما مضت غيرها. حرية الاعتقاد، واحترام الآخر، والتوقف عن هذا الشعور الفوقى الذى زرعه مشايخ الظلام والجهالة واحتكار التفسير بأن المسلم وحده هو الذى سينعم بالجنة، فيما يحترق الآخرون فى نيران جهنم!

جهنم الحمراء تسللت إلى فكر شعب مصر وعقيدته وتفاصيل حياته اليومية وقيم ومعانى الخير والجمال والتسامح والاستمتاع بالحياة، فنالت منها، وحولته مسخاً، لا هو يمت بصلة لحضارات عريقة صنعها، ولا هو متجذر فى ثقافات جهالة وظلامية تسللت إليه. وحين تتسلل فرصة ذهبية يتم إلقاؤها فى ملعب الراغبين فى التصحيح والمشتاقين إلى التصويب، فإن الواجب اقتناصها، والمفروض الإمساك بتلابيبها، حتى لا تلفت كما أفلت ما سبقها.

سبق أن فاجأ الرئيس السيسى العالم والمصريين بدعوته الجريئة، التى طال انتظارها على مدى عقود، لتجديد الخطاب أو تصويبه أو تحديثه أو تنقيته مما شابه من عكارة تضخمت وتورمت حتى كبست على أنفاس الدين نفسه. وقتها نظر إليها العالم باعتبارها دعوة لثورة فكرية لإنقاذ الدين مما وقع فيه، وإنقاذ المتدينين من فقاعة التديين الذى حصل مشايخ بأعينهم على حق حصرى لزرعه فى القلوب واحتكار لغرسه فى العقول. لكن حدث ما حدث، وتم تغافلها وتجاهلها، بل ومحاربتها وتشويهها.

تشويه الدعوة الجديدة والجريئة التى انطلقت من «منتدى شباب العالم 2018» فى شرم الشيخ بدأ بالفعل. فحديث الرئيس عن حرية الاعتقاد وتوجُّه الدولة لبناء الكنائس فى المجتمعات الجديدة بعد قرون من الشد والجذب، وإشارته عن بناء أماكن عبادة أخرى فى حال كان هناك أتباع ديانات أخرى، وحق الجميع فى أن يعبدوا أو لا يعبدوا، تسلمه متعهدو التشويه ومسئولو التنبيط ومتخصصو حماية مصر الظلامية، معتنقة النسخة المتاحة للتدين، المقبلة من العصور الوسطى.

وما كان صالحاً أو مقبولاً أو معمولاً به فى العصور الوسطى ليس كذلك فى العقد الثانى من الألفية الثانية. فلا قواعد العقل النقدى ستسمح بذلك، ولا قيم العصر الرقمى ستتيح ذلك، ولا جيل«Z» سيلقى بالاً من الأصل.

جيل «Z» المولود فى التسعينات والألفينات ليس كغيره. وهو الجيل الذى يعتقد مشايخ الاحتكار ومنتفعو التغييب والتجهيل والظلام والقبح أنه سيسلّم كما سلّم غيره، وسيخضع كما خضع من سبقه، وستصطك أسنانه وترتعد أوصاله حين يصرخ كبيرهم مهدداً بالثعابين ومنذراً بعذاب أليم وملوحاً بخطورة العقل ومغبة المنطق وجسامة النقد. ولأن أولئك المحتكرين للتفسير والمنتفعين من الجثوم على صدور المسلمين ينتفعون بالسلطة والمال، ويسعدون بالهيمنة والاحتكار، ومعتادون على أن يصدق أتباعهم على كل ما يتفوهون به بقولهم «آمين»، فإنهم لم يكلفوا خاطرهم البحث فى مقومات جيل جديد مختلف كل الاختلاف.

ولأن كلمة الاختلاف تثير الرعب فى قلوب أولئك، ومفردات النقد غير واردة فى قواميسهم، ومعانى النقاش وإخضاع الحياة للمنطق لم تخطر على بالهم، فإن الصدام سيكون مريعاً. والصدام المقصود ليس بالضرورة ثورة عارمة، أو فورة صاخبة، لكنه صدام الانفصال التام بين واقع جيل مقبل لا يمت للعصور الوسطى بصلة، ومتعهدى توريد تفسيرات ظلامية وتشبث بقيم ظلامية.

ظلامية ما خاضته مصر من تأسلم مستورد، وشيطنة كل ما يمت بصلة للفن والجمال والتفكير والمنطق، وتعطيل عقول الناس من منطلق الحلال والحرام الذى تم تفصيله بمقاييس بشرية لا تمت بصلة لسماحة الدين وتيسيره للحياة، واضحة فى كل ركن من أركان حياتنا. ولأننا نغضب جداً وننتفض جداً وتُستنفر كرامتنا جداً حين يتفوه أحدهم بحقيقة نعيشها وواقع قبيح اعتدناه حتى صار أمراً عادياً، فإن واجبنا أن نغضب وننتفض وتثور كرامتنا لأننا سلمنا عقولنا وقلوبنا وحياتنا وتعليمنا وثقافتنا، وكل تفصيلة كبيرة وصغيرة من حياتنا، لزمرة من المحتكرين يتوارثوننا ويلعبون بنا الكرة ويدفعوننا دفعاً نحو القاع.

القاعة التى عجّت بالتصفيق لما قاله الرئيس السيسى من حتمية تصويب الخطاب والنظر بعين الاعتبار إلى ما ألمّ بكل ما هو «إسلامى» يجب أن تقتنص الفرصة وتعاود محاولة استعادة مصر واسترداد المصريين من مخالب المحتكرين.

نقلا عن الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخالب المحتكرين مخالب المحتكرين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon