توقيت القاهرة المحلي 12:17:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مخالب المحتكرين

  مصر اليوم -

مخالب المحتكرين

بقلم : أمينة خيري

وها هى فرصة ذهبية أخرى فى الإمكان اقتناصها، أو تركها تمضى كما مضت غيرها. حرية الاعتقاد، واحترام الآخر، والتوقف عن هذا الشعور الفوقى الذى زرعه مشايخ الظلام والجهالة واحتكار التفسير بأن المسلم وحده هو الذى سينعم بالجنة، فيما يحترق الآخرون فى نيران جهنم!

جهنم الحمراء تسللت إلى فكر شعب مصر وعقيدته وتفاصيل حياته اليومية وقيم ومعانى الخير والجمال والتسامح والاستمتاع بالحياة، فنالت منها، وحولته مسخاً، لا هو يمت بصلة لحضارات عريقة صنعها، ولا هو متجذر فى ثقافات جهالة وظلامية تسللت إليه. وحين تتسلل فرصة ذهبية يتم إلقاؤها فى ملعب الراغبين فى التصحيح والمشتاقين إلى التصويب، فإن الواجب اقتناصها، والمفروض الإمساك بتلابيبها، حتى لا تلفت كما أفلت ما سبقها.

سبق أن فاجأ الرئيس السيسى العالم والمصريين بدعوته الجريئة، التى طال انتظارها على مدى عقود، لتجديد الخطاب أو تصويبه أو تحديثه أو تنقيته مما شابه من عكارة تضخمت وتورمت حتى كبست على أنفاس الدين نفسه. وقتها نظر إليها العالم باعتبارها دعوة لثورة فكرية لإنقاذ الدين مما وقع فيه، وإنقاذ المتدينين من فقاعة التديين الذى حصل مشايخ بأعينهم على حق حصرى لزرعه فى القلوب واحتكار لغرسه فى العقول. لكن حدث ما حدث، وتم تغافلها وتجاهلها، بل ومحاربتها وتشويهها.

تشويه الدعوة الجديدة والجريئة التى انطلقت من «منتدى شباب العالم 2018» فى شرم الشيخ بدأ بالفعل. فحديث الرئيس عن حرية الاعتقاد وتوجُّه الدولة لبناء الكنائس فى المجتمعات الجديدة بعد قرون من الشد والجذب، وإشارته عن بناء أماكن عبادة أخرى فى حال كان هناك أتباع ديانات أخرى، وحق الجميع فى أن يعبدوا أو لا يعبدوا، تسلمه متعهدو التشويه ومسئولو التنبيط ومتخصصو حماية مصر الظلامية، معتنقة النسخة المتاحة للتدين، المقبلة من العصور الوسطى.

وما كان صالحاً أو مقبولاً أو معمولاً به فى العصور الوسطى ليس كذلك فى العقد الثانى من الألفية الثانية. فلا قواعد العقل النقدى ستسمح بذلك، ولا قيم العصر الرقمى ستتيح ذلك، ولا جيل«Z» سيلقى بالاً من الأصل.

جيل «Z» المولود فى التسعينات والألفينات ليس كغيره. وهو الجيل الذى يعتقد مشايخ الاحتكار ومنتفعو التغييب والتجهيل والظلام والقبح أنه سيسلّم كما سلّم غيره، وسيخضع كما خضع من سبقه، وستصطك أسنانه وترتعد أوصاله حين يصرخ كبيرهم مهدداً بالثعابين ومنذراً بعذاب أليم وملوحاً بخطورة العقل ومغبة المنطق وجسامة النقد. ولأن أولئك المحتكرين للتفسير والمنتفعين من الجثوم على صدور المسلمين ينتفعون بالسلطة والمال، ويسعدون بالهيمنة والاحتكار، ومعتادون على أن يصدق أتباعهم على كل ما يتفوهون به بقولهم «آمين»، فإنهم لم يكلفوا خاطرهم البحث فى مقومات جيل جديد مختلف كل الاختلاف.

ولأن كلمة الاختلاف تثير الرعب فى قلوب أولئك، ومفردات النقد غير واردة فى قواميسهم، ومعانى النقاش وإخضاع الحياة للمنطق لم تخطر على بالهم، فإن الصدام سيكون مريعاً. والصدام المقصود ليس بالضرورة ثورة عارمة، أو فورة صاخبة، لكنه صدام الانفصال التام بين واقع جيل مقبل لا يمت للعصور الوسطى بصلة، ومتعهدى توريد تفسيرات ظلامية وتشبث بقيم ظلامية.

ظلامية ما خاضته مصر من تأسلم مستورد، وشيطنة كل ما يمت بصلة للفن والجمال والتفكير والمنطق، وتعطيل عقول الناس من منطلق الحلال والحرام الذى تم تفصيله بمقاييس بشرية لا تمت بصلة لسماحة الدين وتيسيره للحياة، واضحة فى كل ركن من أركان حياتنا. ولأننا نغضب جداً وننتفض جداً وتُستنفر كرامتنا جداً حين يتفوه أحدهم بحقيقة نعيشها وواقع قبيح اعتدناه حتى صار أمراً عادياً، فإن واجبنا أن نغضب وننتفض وتثور كرامتنا لأننا سلمنا عقولنا وقلوبنا وحياتنا وتعليمنا وثقافتنا، وكل تفصيلة كبيرة وصغيرة من حياتنا، لزمرة من المحتكرين يتوارثوننا ويلعبون بنا الكرة ويدفعوننا دفعاً نحو القاع.

القاعة التى عجّت بالتصفيق لما قاله الرئيس السيسى من حتمية تصويب الخطاب والنظر بعين الاعتبار إلى ما ألمّ بكل ما هو «إسلامى» يجب أن تقتنص الفرصة وتعاود محاولة استعادة مصر واسترداد المصريين من مخالب المحتكرين.

نقلا عن الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخالب المحتكرين مخالب المحتكرين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon