بقلم - ماجدة الجندى
على موقع إلكترونى متخصص فى «البيع»، و«الشراء»، عرضت للبيع فيلا على الطراز الإسلامى، كائنة بأحد شوارع منطقة العجوزة أو الدقى، فى شارع يحمل اسم نفس مالك الفيلا.. الفيلا فى شارع هنداوى، ومالك الفيلا كان طبيباً شهيراً زمن الملك فؤاد، هو الدكتور سالم هنداوى، الذى عالج الملك سعود. الإعلان رافقه نشر صور ومعلومات كشفت عن «عمل فنى»، أو «قطعة فريدة من العمارة الإسلامية» فى أبهى صورها.. وأدق تفاصيلها، من الأرضيات إلى الأسقف والجدران، وثنايا الشغل العربى الأصيل.. تم بناؤها عام ١٩٣٢.
المبلغ المطلوب للبيع ٨٠ مليون جنيه، لنحو ألفى متر مساحة، وألف متر مبانٍ على ثلاثة أدوار، وما لا يقدر قيمته من الإبداع والفن والجمال، وزد على ذلك ما تشاء من أوصاف تشير «لعظمة البناء» وتفرّده. المهم والملفت والذى كان دافعاً وراء توقف الناس أمام الإعلان، هو الجملة المروجة، التى سوف يكون لها فعل السحر غالباً، وهو أن الفيلا «لها ترخيص هدم».. جماليات الفيلا وحالتها المدهشة، وعظمة العمارة، أخذت بلب الناس على وسائط التواصل، فراحوا يقومون بالمشاركة أو «الشير»، مستنجدين بوزارة الآثار وجهاز التنسيق الحضارى.
وكيل وزارة الآثار، المعنى بالآثار الإسلامية قال للأسف الفيلا الفريدة لا تعد من الآثار الواجب عدم هدمها، لأن القانون ١١٧ لعام ١٩٨٣، يشترط ألا يقل عمر المبنى عن مائة عام، والفيلا غير مسجلة كأثر، لأن عمرها ٨٦ سنة فقط، ولا يمكن اعتبارها «تراثاً حضارياً». ليس بالإمكان أن تلوم ورثة يتصرفون فيما يملكون، ويمكن قبول انتقال «عمل فنى» من مالك لآخر، لكن ما لا يمكن قبوله هو ضياع مثل هذه القطعة الفريدة وزوالها، لأن معنى أن للمبنى رخصة هدم، وبما أنه العصر الذهبى لفكر المقاولات، فالمتوقع أن الذى سوف يدفع الملايين الثمانين، سوف يستعيد أضعافها، ببرجين ثلاثة، خاصة أن إحدى الواجهات تطل على النيل. قيل إن محافظة الجيزة قامت بحصر ما ينطبق عليه قانون الحفاظ على الآثار، ومن بين نحو ٨٥٠ فيلا، أخرجوا ٣٠٠ فيلا فقط ينطبق عليها قانون الحفاظ على الآثار، و٥٥٠ فيلا، مهما بلغت أهميتها المعمارية والجمالية قيل إنها لا بد «من هدمها»، ولا أعرف إن كان تعبير «لا بد» هذا، من عنديات صاحب الخبر أو هو نص.
مذابح التراث المعمارى من المعادى إلى مصر الجديدة والجيزة والمحافظات، وهيمنة «عقلية المقاولين»، التى لا تتردد فى نسف التاريخ والجغرافيا، ما دام فيها فلوس.. الحقيقة أننى على يقين من أن «الحكومة» لن تهتم، وأن جهاز التنسيق الحضارى لا يملك من الملايين الثمانين جنيهاً، وأننى يمكن أن أكتب مقالة على طريقة «فش الغل»، أو كما يقول أهالينا «طق حنك»، يعنى لوم وملام وندب، وهذا لن ينقذ ثروة فنية وجمالاً لا يقدر، (وييجى ده إيه جنب اللى راح)، وعزمت وتوكلت على الله أن أسعى لإغراء أو إغواء أصحاب المليارات بشراء هذه الفيلا والتباهى بها! نعم.. عندنا كتير عندهم فلوس كتير، ما المانع فى أن يشعر أحدهم بأنه يمتاز أو يتميز بامتلاكه ما لن يتكرر.. الرغبة فى التميز رغبة إنسانية، والذى يقتنى هذه القطعة الفنية الفريدة، ولا يستخدم رخصة الهدم، لن أقول إنه سوف يسدى خدمة للإرث المصرى الحضارى، ولا أنه سوف ينقذ عملاً فنياً فريداً، لأن كل هذا «لا يؤكل من ورائه عيش»!لكن الأكيد أن صاحب هذه الفيلا، سوف يكون «مختلفاً»، وأعتقد أن هذا شعور يسعى إليه كثيرون من الأغنياء.. هم يتنافسون فى الحفلات و«الطيارات» والسفر والأفراح، وأمور أخرى، وقد قيل إن أحدهم كلف ليلة فرح «ابنه» خمسين مليون جنيه، وإنه عمل «أوبن بوفيه للسيجار»، طيب ليكن هذا الإبداع والجمال، هدية زواج عيد ميلاد أو «سبوع»، وبجملة أفراح الأنجال!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع