بقلم: ماجدة الجندى
المشهد إجمالاً بحاجة إلى نوع من التفكيك، لأنه يحمل فى طياته ما يتجاوز اعتباره حادثاً، صحيح أنه كان الشغل الشاغل الأيام الماضية للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، لكن ربما يحتاج الأمر لهدأة فى التناول، تختلف عن دوائر الانفعال التى تكتسحنا، كلما جرى أمر على الساحة، فتختلط الأصوات، وتتعالى المناقشات.. لم يقبل أهل الشاب الذى أجبر على أن يلقى بنفسه تحت عجلات القطار، المائة ألف جنيه التى أعلن عنها وزير النقل كتعويض، وهى رسالة بليغة، فلا شىء يساوى ولا شىء يعوض أماً فقدت ابنها بهذا الأسلوب المروع، والأرجح أنها لن يغمض لها جفن حتى آخر أنفاسها.. فإن أمعنت النظر وجدت كلاً يغنى على ليلاه... لا جدال فى أن ما جرى للشاب الذى سقط تحت عجلات القطار مفزع إلى أقصى مدى، لكن المؤكد أنه وضع المجتمع بأسره فى مواجهة غير ملتبسة مع ما جرى له من تحولات، أخشى أن تكون قد مست الجوهر الذى لطالما طمأننا أنفسنا أنه بخير، لكن الحقيقة الكاشفة لا بد أن تقلقل هذه الطمأنينة الزائفة..أكثر من سيناريو يمكن طرحه، كان يمكن أن ينقذ هذا الشاب الذى دفعه الخوف إلى هذا المصير.. أولها وأبسطها أن يتم اتباع الإجراء القانونى، دونما ترويع، ولا قهر، وأضع عدة خطوط تحت «دونما ترويع» ولا «قهر»، نعم لنا أن نتخيل قدر الرعب الذى عاشه الشاب، والانسحاق الذى صور له أن «قفزة موت» من قطار سريع، أهون مما يصدره له موظف السكة الحديد (أياً كانت وظيفته).. السيناريو الثانى كان أن يجمع ركاب هذا القطار الـVIP، ثمن التذكرة والغرامة وهو رقم إن تم اقتسامه لا يكون معضلة على ركاب دفع الواحد منهم ٣٠٠ جنيه للتذكرة، عشرون جنيهاً من خمسة عشر راكباً، كان يمكن أن تنقذ حياة، أوليس نحن الشعب المتدين بطبعه، بتوع المليان يصب على الفاضى، والناس لبعضيها، و..و..؟: أين راح «المنديل الأبيض» الذى كان سرعان ما يتم فتحه وتمريره لفك زنقة أحدهم؟ الذين فتحوا الموبايلات وصوروا ومصمصوا الشفاه، ماذا لو استجاب أحدهم لسؤال الشاب قبل أن يلقى بنفسه تحت العجلات، قال صديقه الناجى، إنه قال بصوت عال «جرى إيه هو القطر ده ما فيهوش جدعنة ولا إيه؟» والحقيقة أنه سؤال لا يخص ركاب هذه العربة بقطار الـVIP، وحدهم، لكن يمكن توجيهه لمن «يتفرجون»، على واحد بيتحرش بواحدة ولا يتحركون، على البيه لما يستقوى على العسكرى الغلبان ويهدد انت مش عارف بتكلم مين، وغير ذلك وبدون حصر... يبقى السيناريو الثالث الذى نفذ وهو السيناريو «القاتل» وبطله مسئول القطار..نحن أمام شخصية، يقينا أنها مضطربة، غير سوية، بل ربما حالتها أكثر تفاقماً مما نتصور، طرحت خيار الموت أو القتل على الشاب بمنتهى البلادة.. وهذه الشخصية غير العادية تصرفت تحت غطاء، أو بإيحاء أنها تنفذ لوائح، لكن الحقيقة أنها تحمل داخلها بذور عدم استوائها، أى إنها فى أى موقف سوف تنضح باختلالاتها، التى من المؤكد أنها «عينة»، تشير لصنوف من الاختلال المرضى، وقد صرح السيد كامل الوزير بنفسه بأن التأهيل النفسى جزء مما يجرى فى برامج إعادة التأهيل. الصيغة التى خرج بها أول بيانات وزارة النقل، لاقت ما تستحق من انتقادات، وحملت لهجة بيروقراطية سقيمة، سرعان ما تغيرت واستعدلها بيان النيابة، يبقى موقف الإعلام الذى اتفق على «كارثية» ما جرى، (وهو كذلك) وبلغ مدى طالب فيه البعض بإقالة وزير النقل، على اعتبار أن موظف القطار كان ينفذ تعليمات ضرورة التحصيل، هنا الخيط الفاصل وهنا أيضاً اختلاط الأوراق، وهنا الحاجة إلى قدر من الرشادة، يقيناً أن القانون وضرورة تطبيقه أو التحصيل لمتعلقات الدولة مطلب الناس قبل الحكومة، بدءاً من التذكرة وحتى الأراضى وغيرها مما تم نهبه على مدى عقود، ويقينا أن جهد كامل الوزير فى ضبط مرفق النقل واضح وجلى، والأكثر يقيناً أنه لا يمكن أبداً أن يكون من تعليمات التحصيل الدفع إلى قفزات الموت.. من أين نبدأ؟