بقلم : ماجدة الجندى
عبر أكثر من شاشة، مصرية ودولية، تابعت -بقلب «موجوع»- حال الأطباء، وبالتالى أوضاع الطب فى بلدنا. لم يختلف الأمر كثيراً فى خلاصة الرسالة مع تنوع النوافذ التى منها انطلق التحذير. وفق أرقام أوردها الأطباء، مصر تعانى نقصاً فى الأطباء (٣٥ بالمائة، وفى التمريض ٥٥ بالمائة، وفى الأسرّة ٥٠ بالمائة)، لكن المحور الأساسى كان التحذير: نحن على شفا مواجهة للحظة لن نجد فيها طبيباً يعالج الناس فى مستشفياتنا الحكومية. أرقام هجرة الأطباء الشبان تتصاعد بوتيرة غير مسبوقة. لم تعد الوجهة أمريكا أو أوروبا أو حتى البلاد العربية، هناك من يغادر إلى بلدان أفريقية لا تدفع له أكثر من خمسمائة دولار شهرياً وتوفر له السكن. عندما سأل المذيع طبيباً ممن أطلقوا الصرخة: هل يهاجر طبيب ويترك حاله وأهله لأجل ما يوازى تسعة آلاف جنيه؟ كان الرد: بكل تأكيد، إذا كان أجره فى الصومال (الخمسمائة دولار) يساوى أربعة أضعاف أجره فى المستشفى الحكومى المصرى، علاوة على توافر سكن. طبيب المستشفى الحكومى الذى تتساوم الحكومة معه، وتستشكل أمام القضاء بسبب مطالبته بتعديل بدل عدوى (عشرين جنيهاً)، إن أراد أن يعمل لن يستطيع.. يشترى كانيولا، وأدوية لمريضه، أو مضاداً حيوياً لطفل فى حضانة، فيتشارك وزملاؤه فى شرائها.. ليس للأطباء مستشفى يعالجون فيه، أحدهم لدغه عقرب فى قرية نائية فلم يجد اللقاح، سافر للقاهرة، أنفق أربعة آلاف جنيه للعلاج (بين قوسين الصعيد كله ليس فيه مثل هذا المصل، هذا ما قاله أحد الأطباء).
الظروف التى يعمل فيها الأطباء تتجاوز أى قدرات للحكى، فالمسألة لم تعد مجرد «أجور» تبلغ حد الكفاف (ألف ومائتان فى البدايات، وصلت بعد ستة عشر عاماً من العمل إلى ثلاثة آلاف وثمانمائة جنيه)، نبطشيات عمل مستمر يصل إلى ستة وثلاثين ساعة، بلا نوم ولا راحة، بعدها لا يذهب الطبيب إلى بيته، بل يكون عليه الانتظار ليوقع (الساعة اتنين) فى كشف يحمله موظف من الإدارة المحلية!! كان من المدهش أن أعلم أن «المحليات» أطلت برأسها داخل مستشفيات وزارة الصحة، بموظف يوقع أمامه الأطباء «الساعة اتنين»، حتى لو الطبيب فاتح بطن عيان، مطلوب منه أن يترك العيان بأحشائه المفتوحة، وينزل «يبصم» أو لو بيخدّر عيان، يسيبه وينزل جرى، ليوقع أمام موظف محليات جاء يتأكد من حضوره! ما هذا العبث؟ ما علاقة المحليات بعمل الأطباء، وهى عاجزة حتى عن إدارة أولويات وأساسيات عملها؟ بدلاً من مراقبة الأطباء، الذين لا تعلم المحليات عن طبيعة عملهم شيئاً، ولا علاقة لها بهم، لماذا لا تراقب التوك توك أو البلاعات، أو ترفع الزبالة التى صارت مشكلة قومية!
حتى فرص التعلم والتدريب، الملزمة لأى خريج طب، كى يصبح طبيباً معتمداً، تتضاءل، أولاً لتكليفه بالعمل لأكثر من ستة وثلاثين ساعة لسد الفراغ الناجم عن نقص الأطباء، وغيره من ظروف العمل. لم يعد الطبيب يُسمح له بيومين لحضور دراساته العليا، علاوة على أن ارتفاع مصاريف الدراسة العليا (٢٥ ألف جنيه) لطبيب دخله ألفين فى الشهر، أمر لا يحتاج إلى تعليق. والمحصلة أن الأطباء المصريين يواجهون مشكلة فى اعتمادهم دولياً، بسبب عدم اكتمال فرص التدريب والدراسة.. لا توجد سياسة ثابتة لوزارة الصحة.. يأتى وزير يركز على ملف، يمشى، يأتى وزير آخر يركن ملف الوزير الأول ويختار ملفاً ثانياً وهكذا.. تكلم الأطباء فى آليات اختيار «عضم» العاملين بوزارة الصحة.. يأتى المسئول بمعاون لا نعرف آليات اختياره ولا المعايير، يُضبط المعاون فى قضية رشوة صريحة بعد عدة شهور، ولا أحد يسأل، ولا أحد يحاسب من اختار! قال الأطباء إن السبب الأول والأخير فى نجاح حملة القضاء على فيروس «سى»، كونها تحت رعاية مباشرة لرئيس الجمهورية، وكالعادة، لم يجد الأطباء من يتوجهون إليه بنداء الإنقاذ غير رئيس الجمهورية. قال أحدهم، «يا ريس ماتصدقهمش! ما تصدقش اللى بتشوفه فى التليفزيون.. افتتاحات المسئولين منظر بس!.. ديكور بيتشال بعد ما تمشى الكاميرات!».. عضو نقابة الأطباء ناشد الرئيس أن يلتقى ممثلين للنقابة، أو أن يبعث مسئولاً من رئاسة الجمهورية يتسلم ملفاً من النقابة لعرضه مباشرة على الرئيس.
ولدى الأطباء وغيرهم.. كل الحق!.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع