توقيت القاهرة المحلي 08:35:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الرؤية» والدلالة

  مصر اليوم -

«الرؤية» والدلالة

بقلم : ماجدة الجندى

  الدولة تقوى بقدر ما يقوى تطبيق القانون.. بقدر ما يحس المواطن الأعزل من أى نفوذ، ولا سلطة، أن حقه محصن بالقانون. هذه الحقيقة الأولية تنتهك عندما تدخل وزارة التضامن الاجتماعى معركة تعطيل وصول حقوق أصحاب المعاشات إلى أصحابها، وهى مدركة تماماً وعلى يقين أنه لا حق قانونياً لها فى الطعن على أحقية أصحاب المعاشات فى الثمانين بالمائة من علاواتهم الخمس الأخيرة. تأمل موقف وزارة التضامن فى طعنها بالحكم، لمجرد كسب الوقت أو إدخال أصحاب المعاشات فى متاهات لا جدوى ولا طائل وراءها، دلالته تتجاوز أصحاب المعاشات إلى حيز أوسع.. دلالته تبلور موقف الدولة من فكرة القانون. فى مواضع عديدة تهتز فكرة شعور المواطن بأحقيته فى استشعار العدل، ناهيك عن شعوره بأنه لا صوت له حتى فى مجلسه، الذى من المفروض أنه منتخب للدفاع عن حقوقه.. بدا الأمر فى معركة أصحاب المعاشات مع الدولة، وكأن المواطن بلا ظهير يسنده مهما كان القانون فى صف هذا المواطن. دع جانباً كل المظاهر اللا إنسانية التى يغرق فيها أناس منحوا حيواتهم إلى الدولة، وفى النهاية لم يتحصلوا على ما يسد الرمق.. دعك من امتهان الكرامة الذى تحسه ناظرة مدرسة تضطر إلى التسول لتسد بعض الاحتياج بعد إحالتها للمعاش، وتستخدمها برامج الفضائيات فى الصراخ، وتصبح مجرد فقرة فى سهرة.. لا تتوقف عند الوقفات التى يقودها البدرى فرغلى، ووراءه مقعدون فوق كراسى بعجل، وشيوخ لا يملك الواحد فيهم ثمن علبة دواء.. فاضت أعمدة الصحف بالحكايات وأصحابها ونحن جزء منهم، فليس استدرار «عطف الحكومة» يليق بمواطنين لهم حقوق، وليس هذا مربط الفرس كما يقال، لكن نذير الخطر هو فى موقف الدولة من فكرة تطبيق القانون، فى ظل سطوع حق المواطن وأحقيته. ما التداعيات المترتبة فى الوعى العام؟ وكيف يؤثر مثل هذا الموقف المتلاعب فى آليات تصرّف الناس قبل الدولة؟ لا أحد يفكر فى الرؤية الكلية لمثل هذا المشهد حين يتجاور ومشاهد أخرى تمس فكرة العدل والعدالة.. خذ عندك على سبيل المثال عندما تقر الدولة بأحقية نائب الوزير والوزير ونائب المحافظ والمحافظ، وهم فى النهاية موظفون عموميون، قد تتساوى إمكاناتهم الوظيفية وزملاء لهم، فى نفس القطاع، فى معاش يبلغ ستة وستين ضعفاً.. من أين يأتى نائب الوزير؟ تخيل اثنين أو ثلاثة أو خمسة رؤساء قطاعات أو وكلاء وزارة، كل منهم خدم قطاعه وتحلى بإمكانات ومهارات ووقع اختيار الدولة على واحد منهم، ليصبح نائب وزير معاشه أربعة وثلاثين ألف جنيه، بينما زملاؤه الآخرون مهما كان بذلهم، سوف يتحصلون على ألف وخمسمائة جنيه على الأكثر.. السؤال هنا: هل تتوقع الدولة بهذا المعيار أن تكون مصلحة العمل هى الهدف ممن يأتون وراءهم فى الطابور، أو يكون «المنصب» نائب الوزير هو الغاية والمراد مهما استدعت معارك ضرب الأكتاف؟ بالتأكيد أن الدولة بإسهامها فى رفع معاشات عدد محدود من موظفيها بهذا الحجم الكبير من الأرقام، لا تسهم فقط فى مزيد من تشوهات «الدخول»، لكنها تضرب معانى فى مقتل، على رأسها الشعور بالعدل، مهما كانت المبررات المعلنة.. المدهش بل المذهل ليس فقط موقف الدولة، بل تلك الأصوات التى خرجت من مجلس نواب مفترض أنه صوت الناس، والتى بلغت فى تلوّنها حداً يصعب الرد عليه، وخلطت ما بين الأفكار على غرار «الحواة».. لم يقل لنا أحدهم ما الرسالة المرجوة حين تحصر وتكثف الضمانات والمزايا فى «منصب»، وتماطل وتضرب بالقانون عرض الحائط لآخرين عملوا ونفترض أنهم اجتهدوا.. لم يقل لنا كيف نرى العدل فى اثنين لهما نفس المشوار، أحدهما يخرج بمعاش ثلاثة وثلاثين أو أربعة وثلاثين ألف جنيه لمجرد خطوة فى لعبة شطرنج؟

الغريب أن الأمور جلية.. يعنى الحكومة ترى أين الصواب وأين الخطأ، لكنها ماضية وتمضى فيما تراه، وهى غير واعية على ما أظن بتداعيات الرؤية التى تؤسس لها.. ليست المسألة محصورة فى آثارها عند أرقام تضاف هنا، أو هناك، لكن الأخطر افتقاد الرؤية الأشمل لمعنى ودلالات، والاستهانة بقراءة الناس لحكومة تقبل على نفسها أن تلاعب أصحاب حق قانونى، وفى الوقت نفسه لا تعى إلى أين يقود إسهامها فى مزيد من التشوهات غير العادلة حتى لو قيل إن هذه الممارسات لن تكلف أرقاماً.. العبرة والمسئولية والخطورة، تكمن فى «الرؤية» وراء تلك الممارسات.

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الرؤية» والدلالة «الرؤية» والدلالة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon