بقلم : ماجدة الجندى
ظل حضوره فى حياتى المهنية مكثفا حتى بعد بعد مرور عقود طويلة فى مهنة الصحافة، سنوات طويلة تباعدت خلالها سبل التلاقى المكانى بيننا، دون أن يبهت فى داخلي، لا ما جسده من قيم مهنية ولا قدرته على ان يكون استاذا فى مهنة الصحافة، بمنتهى البساطة والتواضع، وإيثاره دوما البعد عن الزحام.. كان الأستاذ رءوف توفيق، أطال الله فى عمره، لى دوما بمثابة المعلم الرمز فهو الأسطى الذى يعلمك أصول الصنعة، وكودها، الأخلاقى أو ميثاق شرفها.
يعرف اغلب المهتمين الاستاذ رءوف توفيق، كناقد ومبدع كبير فى مجال السينما، ويكفى ان تستدعى أعمالا كزوجة رجل مهم أو مستر كاراتيه ليدرك المتلقى من هو، او كيف يفكر رءوف توفيق، لكن السينما على تفرد ما أنجزه الاستاذ رؤوف فيها، من افلام وكتب، ليست إلا جانبا من رءوف توفيق، الذى هو صاحب مدرسة فعلية فى الصحافة.. رءوف توفيق هو هذا الحضور الانسانى والمهنى الذى يحفر فيك علامات الطريق منذ الصغر دون ان تعي، لتصير هذه العلامات نقشا فى الحجر.. لم يكن ما تلقيته منه وغيرى من نفس الجيل، مجرد دروس مباشرة فى ممارسة العمل، بل كانت بمثابة مفاتيح وعي، لكيف تصبح صحفيا حقيقيا، اهم مقوماته ان يحمل ضميرا انسانيا ومهنيا، لا يتوقف عن ان يزن كل خطاك، قبل ان يراقب كل ما تكتبه.
يعلمك رءوف توفيق فى مهنتنا، كيف تحتفظ بطزاجتك وتحافظ على الحبل السرى بينك وبين الناس، الذى انت واحد منهم والذى عليك ان تعبر عنهم. ظل فى داخلى ما حفره الاستاذ رءوف توفيق بمثابة مرجع قيمى أهتدى به وأزن به خطواتى فى المهنة، ولا أعرف بالضبط عدد المرات التى رحت خلالها، امتن له دون أن أجد تلك القنوات المباشرة ليصل اليه ذلك الامتنان، ولا كم مرة تمنيت أن أكتب عنه، كنموذج للكاتب الصحفي، الايقونة، او مالك المعادلة الصعبة فيما يحمله من مهارة وقيم معا، وهو ليس بالأمر الشائع ولا الهين. كلما عانت مهنة الصحافة، أو كلما استشعرت، تيه معاييرها و بعدها عما ينبغى أن تكونه، كنت أستحضر رءوف توفيق الذى لم يكن يتهاون ولا يتنازل مع من أهدتهم الحياة، الفرصة ليتتلمذوا على يديه، تحت أى ظرف، والذى كانت دقته وحرصه على تكامل اى معالجة صحفية، لتحقيق أو حوار، يمكن ان تستدعى ان يعيد المحرر عمله مرة واثنتين وثلاثا، فرءوف لا يتسلم الا عملا صحفيا جامعا مانعا.
لذلك تابعت صدور كتاب الزميل سمير شحاته: «رءوف توفيق.. سينما رجل مهم»، عن بعد لظروف سفر طويل، بكثير من الفرح الحقيقي، وحين أمسكت بالكتاب بين يدى انتهيت من قراءته دفعة واحدة، دون ان يغادرني، لا أثر كاتبه الاستاذ سمير شحاته، ولا حضور محوره الاستاذ رءوف توفيق.
هذا كتاب كنت أنتظره ليس لأن الاستاذ رءوف حتى حين تعامل مع الفن، كان الانسان مؤشره وغايته، ولا كونه فى تعامله مع الفن إبداعا وتلقيا، كان انعكاسا لموقعه واختياره الثابت كواحد من الناس، منهم جاء وعنهم ظل الناطق باسم أشواقهم وأوجاعهم، ولكن لأن رءوف توفيق قيمة مهنية وإنسانية، نحن أحوج ما نكون لاستحضارها فيما نعيشه اليوم على المستوى المهنى والاجتماعى الإنساني.
توقف زميلى الأستاذ سمير شحاته مع السينما فى حياة رءوف توفيق كناقد وكاتب، متلق محترف، وهو ليس كل رءوف توفيق، أضاف للمكتبة العربية عملا شديد المتعة عن كاتب كبير ومعلم ومهنى أسطي، أهم سماته أنه كان صادقا طوال الوقت، وأنه دفع الفاتورة كاملة.. فاتورة أن تكون نفسك، وأنه الذى علمنا أن ألف باء الصحافة ان تكون فى أتون الشارع، وأن استقلالك بقناعاتك جمر، لكنه السبيل الوحيد لتكون كاتبا محترما. على مدى أكثر من ستين عاما لم يغير رءوف توفيق الشعار: «أنت من الناس..أدواتك فى رأسك، وضميرك صاحي، ورزقك على الله».
وقد كان رءوف توفيق دوما كذلك،
ومازال ..
ومازلنا نحن تلامذته الأوفياء .
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع