بقلم : ماجدة الجندى
هل يخضع كل ما فى حياتنا لقيم التسليع، والكسب، أيا كان أو أيا تكن طبيعته؟ أو أنه قد تم اتخاذ قرار، أو أن هناك قرارا مضمرا، بالفعل، وفى صمت بأن لاشىء فوق المبيع؟
انتشرت الصور عن معبد الكرنك، الذى تحول الى دار مناسبات، أو قاعة أفراح ، لا تختلف فى النهاية عن تلك القاعات المتناثرة على كورنيش الإسكندرية، او تلك الواقعة فى أعالى بنايات الفنادق..صحيح انه بعدها بوقت، قرأنا أن قرارا أعلن، وتعليمات صدرت بعدم التكرار لمثل هذه الواقعة، الذى اقل ما توصف به، هو البذاءة إذا ما اتفقنا على أن الفعل البذىء، والقول البذىء، لا يقتصران فى تعريفهما، على الحيز الضيق لفكرة الأخلاق. لكن الأمر أعظم من أن يمر دون توقف. من هو المسئول الذى ائتمنه الناس على ذخيرتهم المعنوية، ومنها أو على رأسها آثار مصر، فأباح لواحد من أصحاب التسعة أصفار أن يحيي، ليلة من الليالى الملاح فى بهو أعرق معابد مصر؟.
بأى موطئ وقف «الدى جى» الذى صدح واهتزت معه اجساد المدعوين؟ وكيف تلقت أحجار المكان المقدس روائح الأكل، وأين تخلص المعازيم مما هضموه؟ ليلة الكرنك، حتى وإن قيل إنه تم التراجع عن إعادتها، أغرقت المصريين فى قلق ومرار مبعثهما، شعور عميق بأن تغليب المادى على المعنوي، لم يعد بمقدور أحد إيقافه، فصرنا نتعامل مع أى قيمة، بأسلوب القبائل الرحل فى الصحراء، العابرين الذين لا تربطهم أى وشائج ولا جذور بالمكان، ولا يكون لهم مآرب إلا تحقيق أقصى استفادة..
صار المعيار، كم تساوى القيمة وأى قدر من الأموال سوف تجلبه ولا يهم بعد ذلك أى شىء. الدول تستمد الطاقة والدافع من ذخيرتها المعنوية، وتجليات «ذخيرة مصر المعنوية»، درات التاج المصري، تكاد تفقد كل جلالها، بتسليعها وتقييمها بالفلوس، وليس ما جرى فى الكرنك، مع كل محاولات تمريره، هو المؤشر الوحيد، فالطريقة التى عوملت بها عمارات 26 يوليو، والتى تم دكها فى ساعات وجهاز التنسيق الحضاري، واقف بلا حول ولاقوة، والسجال الذى لا يتوقف حول القاهرة القديمة، كل ذلك دلالته فى منتهى الخطورة، أن كل شىء قابل للمبيع، وكل شىء يتم تقييمه بالفلوس.
وزيرة ثقافة فرنسا أخرجت من الوزارة تحت وطأة غضب الفرنسيين، لأنها قبل تولى الوزارة، كانت تملك واحدة من كبريات دور النشر فى العاصمة الفرنسية وفرع ادار اكت سود، مقرها فى الحى العتيق السان جيرمان او الحى السادس، بدون تصريح، قامت بتعديل معماري، داخلى محدود، اضافت من خلاله مساحة لا تتجاوز العشرين مترا (استراحة وقهوة للعاملين) .. مجرد مبنى عمره لا يتجاوز ثلاثمائة عام مست جدرانه الداخلية، أقيلت بسببه الوزيرة وشيعها الناس بلعنات وتظاهرات رفعت شعار هذا إرثي.. ولا أدرى ، ماذا سيكون الموقف لو أن مسئولا فى تلك البلاد، طلعت فى دماغه تأجير برج إيفل، لفرح واحد من اصحاب التسعة أصفار، أو كنيسة نوتردام لعيد ميلاد حفيد مليونير.. هل سمعتم عن فرح فى أكرة ببوليس اليونان أو برج بيزا، أو...
الدول تقوم على المخزون المعنوي، الذى لا يقيم بأى فلوس ولا تقدره أى قيمة مادية. الشعوب تستشهد لأجل هذا المخزون المعنوي.. فإن تم تسليع كل شىء، وأهدرت فكرة القيمة، فلِمَ نغضب حين يبيع أحدهم ذمته، او يتغاضى واحد عن شرفه؟ القيمة.. الشرف.. الذخيرة المعنوية ، بتعدد صورها لو دخلت المزاد، قل على اى شىء آخر السلام!.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع