بقلم - إيهاب الملاح
لعل أهم ما فى هذا الكتاب بجزئيه الكبيرين، فضلا على قيمته ومعلوماته التى لا غنى عنها لأى قارئ عام ولكل محب للكتابة والصحافة بشكل عام، هو إحياء تقاليد الكتابة الصحفية الجميلة برائحة زمن ولى.. الكتابة التى تعافُ التعقيد وتنفر من الغموض وتتغيا البساطة والسلاسة فى كل ما تتوجه به لقارئها الذى يمثل القصد والغاية قبل أى شىء آخر.
أتحدث عن كتاب «حبٌ وحربٌ وحبر ـ الملك والكتابة 2» (1900 ــ 1949) للكاتب الصحفى النابه محمد توفيق، وهو الجزء الثانى من الكتاب الذى يروى فيه حكايات وفصول من قصة السلطة والصحافة فى مصر فى القرن العشرين.
حقق محمد توفيق هذه المعادلة فى كتابه «صناع البهجة»، ومن قبله أيضا فى كتابه الممتع «أولياء الكتابة الصالحون»، هذا الهدف بامتياز، يحقق ما يصبو إليه دون لف ودوران، المعلومة المباشرة، الصياغة الأظهرُ سلاسة ومخاطبة للقارئ المهيمن، الحاضر طول الوقت، الذى لا يغيب لحظة عن بال ولا خاطر توفيق. من هنا جاءت هذه الاستجابة التى يتمناها أى كاتب فى أى مكان، الاستجابة التى تؤكد له أن هناك قارئا يبحث عن كتابه؛ يقرأه باستمتاع كبير، يُعجب بالقدرة على العرض وبالمعلومة التى تصله بغير عناء وبأسلوب بسيط محبب.
محمد توفيق تلميذ مخلص ومجتهد لأساتذة كبار فى تاريخ الصحافة المصرية، لا يُخفى غرامه بالراحل الكبير أحمد رجب (أفرد له كتابا خاصا)، ولا يكتم إعجابه وامتنانه البالغ لأسماء من ذهب مثل مصطفى أمين وجمال بدوى ومحمود عوض والسعدنى الكبير ورجاء النقاش وصلاح جاهين، وآخرين ممن أطلق عليهم (أولياء الكتابة الصالحون) وهم أولياؤها وسادتها حقا وصدقا. طبعا كل ذلك كوم، واتصاله بأساتذة الكتابة وأعلام الصحافة الكبار وتتلمذه عليهم كوم آخر. يعجبنى فى محمد دأبه وحماسه وحرصه على مراكمة إنتاج يحسب له وقائمة كتبه أحسبها تستحق التقدير والاحترام.
فى كتابه الأخير الأنيق؛ وهو الجزء الثانى من كتابه الملك والكتابة عن قصة السلطة والصحافة فى مصر كما أشرت (صادر عن دار أجيال للنشر)، يتحدث توفيق عن قدر الصحفيين، وعذاب الصحافة؛ الذى كان غراما! كتاب فى غاية التميز والاعتناء؛ غلافا وإخراجا فنيا ومادة وصورا.
يقول توفيق إن قصة الصحافة ليست قصة مهنة، وإنما قصة بلد بكل ما فيه، ومن فيه من مبدعين ومُدَعين، ولصوص وشرفاء، وأثرياء ومُهمشين، وأبطال وخونة، ومشهورين ومغمورين، وزعماء وظرفاء، ومهرة وعجزة، وعلماء وجهلاء، وعبيد وأحرار، وكذابين وأتقياء، وانكسارات وانتصارات.
عن منهجه فى الكتاب يقول إنه اختار أن يكتب قصة كل عام بصورة منفردة، ففى كل سنة هناك مائة ألف قصة، ولكل قصة ألف شاهد، ولكل شاهد مائة رواية، ولكل رواية عشرات المؤيدين، ولكل مؤيد حجته وأسانيده ودوافعه وأسبابه، ولكل سبب وجاهته؛ لكن حتى إذا عُرف السبب فلن يبطل العجب!
يشدد على أنه لا توجد حقيقة مُطلقة، ولا مُسلمات، ولا جواب نهائى، ولا حُكم بات، ولا انحياز مُطلق، ولا كلمة أخيرة، ولا فصل خطاب. من هنا تكتسب الحكايات والروايات التى يسردها جاذبيتها ورونقها ويحرص مؤلفها على ملء تلك المساحة التى فرغت أو كادت تفرغ من الكتابة التى تتوجه كما قلت إلى قارئها المباشر؛ قارئ الصحف الورقية المواطن البسيط، الموظف والإدارى وطالب الجامعة والمهنى صاحب الورشة وكلهم يتوجه صباحا إلى عمله ويكون حريصا على اقتناء نسخة ورقية واحدة على الأقل من جريدته المفضلة، أو يكون لديه كتاب يصاحبه فى رحلاته اليومية يقرأ منه فصلا أو فصلين دون أن يُرهق بتعقد الأسلوب أو تدافع المعلومات أو غموض المنهج والمصطلح. لكنه هنا يقرأ حكاية جميلة ويستمتع بقصة مثيرة ويكتسب معلومة تاريخية، سياسية، ثقافية.. إلخ وإذا توقف لدى نقطة بعينها لا يتطلب منه العودة إلى مواصلة القراءة أدنى مجهود أو مشقة.
إذا كان لكاتب أن يحلم بتحقيق كل هذه الأهداف مجتمعة مما يكتب أو ينشر فإن محمد توفيق له كل الحق فى أن يسعد بذلك، ويعلن عن سعادته وعن اختيار كتابه ضمن قوائم الكتب الأكثر انتشارا وقابلية لدى الجمهور فى 2017.. ولا أظن أن هذه القوائم ستخلو من اسمه عامنا هذا أيضا.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع