بقلم : إيهاب الملاح
كالعادة، وفى مثل هذا الموعد من كل عام، تثار ضجة مفتعلة بدون أى سند ولا دليل ولا أى شىء ملموس يجعل ادعاء تغيير عناوين رواية لنجيب محفوظ أو العبث بتراثه أمرا جادا وحقيقيا!
«عبث الأقدار» الرواية الأولى التى كتبها نجيب محفوظ ونشرها عام 1939، صدرت منها نسخة ميسرة للناشئة والشباب بعنوان «عجائب الأقدار»، وكان ظهورها للمرة الأولى عام 1989! ولم تثر منذ ذلك التاريخ، وفى حياة نجيب محفوظ نفسه أى مشكلات ولا اعتراضات ولا أى شىء (أو لربما كان هؤلاء الذين تدافعوا بالصياح والضجيج فى غفلة وغياب طوال هذه السنوات!).. فما الذى جرى؟
تلقف البعض إعلانا لمكتبات الشروق عن طبعة جديدة من هذه النسخة الميسرة؛ وقرر أن يشن الحملة الضارية ضد الشروق وصاحبها، ويصفى الحسابات، كما حدث بالضبط منذ ثلاث سنوات أو يزيد قليلا! حينها أيضا ثارت نفس الضجة، وصاحبتها حملة شعواء ضد الشروق بدعوى تلاعبها فى عناوين أعمال صاحب نوبل، وحينها أصدرت الدار بيانا باتا وحاسما ردت فيه على الاتهامات الموجهة إليها، وكشفت بالدليل والحقائق الثابتة زيف هذه الدعوى، وانعدامها بالكلية.
فلا «عبث الأقدار» عبث بها أحد أو غير عنوانها أو حرف نصها؛ وهى كما نشرت فى صورتها الأولى عام 1939 بنصها وحرفها وعنوانها، مطبوعة ومتداولة دون أدنى تغيير، وصدرت فى طبعات متعددة عن الشروق منذ العام 2006 وحتى الآن! وهى متاحة فى المكتبات لمن أراد الاستيثاق والتثبت!
وكل متصل بأدب نجيب محفوظ، وتاريخه، والمدقق فى طبعات أعماله، يعلم أن هذه الطبعة الميسرة للناشئين التى صدرت عام 1989، كانت واحدة من خمسة أو ستة أعمال مختارة تعاقدت دار الشروق مع صاحب نوبل على إصدارها ميسرة للناشئة والشباب، على أن يقوم بتبسيطها المرحوم محمد المعلم نفسه (صاحب دار الشروق آنذاك) ويرسم لها اللوحات الداخلية والغلاف الفنان حلمى التونى.
كل هذا ثابت ومعلوم، وشهوده أحياء يرزقون، والعقود مسجلة ومحفوظة. الغريب فعلا بالنسبة لى هو صياح بعض المثقفين المحسوبين على تيار التنوير والعقلانية واحترام العقل والحقائق الموضوعية! هؤلاء الذين هاجوا على صفحات السوشيال ميديا مؤكدين أن تراث نجيب محفوظ فى خطر وأن العبث طال تراثه وأعماله! وهو أمر مضحك ومخز ومثير للشفقة والأسى!
هلا تفضلت حضرتك وسألت أو بحثت أو توثقت من أن هذا الذى تدعيه من العبث بتراث محفوظ حقيقى؟! يعنى هلا أرهقت نفسك قليلا وعدت إلى أرشيف الصحافة منذ ثلاث سنوات بالضبط حين ثارت نفس الزوابع، وحينها تبين بالبحث والدليل أن نسخة «عبث الأقدار» التى كتبها محفوظ موجودة فى الأسواق بنصها وحرفها ويمكن لمن أراد أن يستوثق من ذلك بالطريقة التى يحب.
وفى حمى الاعتراضات والاحتجاجات والرفض، نسى أو تناسى الكثيرون ــ ومنهم أسماء معروفة فى الوسط الثقافى ــ أن هذه الطبعة التى صدرت عام 1989 كانت بعلم وموافقة نجيب محفوظ، بل إنه هو الذى طلب تغيير العنوان لعلمه أنها ستعد للناشئة والشباب، وهكذا ظهرت هذه الطبعة من «عبث الأقدار» بعنوان «عجائب الأقدار».
وكتبت تفاصيل هذه الواقعة كثيرا ونشرت تفاصيلها مدعومة بأسانيدها وإثباتاتها سواء فى البيان الصادر عن دار الشروق فى حينه، أو الصادر هذه الأيام!
طوال خمسة أعوام كاملة، ليس هناك أكثر من حملات تحريض وتهييج وسباب ضد الشروق، ولا أفهم لماذا لم يتقدم واحد ممن يسبون ويشتمون ويروجون لادعاءات باطلة وكاذبة ببلاغ للنائب العام ما داموا على يقين تام من ارتكاب هذه الجريمة النكراء! للأسف كل الشواهد تبين عن مدى الجهل الفاحش بأصول الاستيثاق التاريخى والسياقى، وعن الجهل التام بألف باء تراث وسيرة نجيب محفوظ.
كل هذا الجدل المثار، وتكراره عمدا وقصدا وعن سوء نية، يكشف عن غياب كامل لسياق الحقائق التاريخية، والمعلومات الثابتة، فى كل الكتب والببليوجرافيات التى أرخت لمحفوظ، ويكشف أيضا عن سوء ظن مبيت فى أوساط النخب الثقافية تجاه العديد من القضايا التى يعلو فيها الصوت، ويخفت فيها العقل، وتتوارى فيها الحقائق لحسابات خاصة أو ميول شخصية أو تخليص ثارات أو لربما تنفيسا عن غضب مكتوم لعدم نشر رواية أو كتاب عن الدار، و«الحدق يفهم»!