توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كنديّ.. تركيّ.. أردنيّ؛ لا مصريّ

  مصر اليوم -

كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ

بقلم : بسمة عبد العزيز

 كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن سعي الأممِ المُتحدة، لاستبعاد اللغة العربية مِن بين لغاتها المُعتَمَدة. قال المتحدثُ العربيّ، إن المَسعى قد يُكَلَّل بالنجاح ويتحول إلى واقع مرير، بفضل إخفاقاتِ الناطقين بالعربية في إظهار أهميتها للآخرين. الحُجَجُ التي تتردد تبريرًا لقرار الإعدام الوشيك كثيرةٌ مُتنوِّعة، وهي لشديد الأسفِ مَنطقية لا عيب فيها ولا ادعاء؛ منها هَجر مَندوبي الدول العربية لغتَهم، واستخدام لغات أجنبية في مُداخلاتِهم وحواراتِهم؛ بين أروقةِ الأُمم المُتحدة وحجراتها وفي مُختلَف المُنظمات التابعة لها. ينطقون بالإنجليزية، يوافقون أو يعترضون بالفرنسية، بينما تقبع العربيةُ في ركن قصيّ مِن ذاكرتهم الجَمعية؛ لغةٌ لم تعد مُتوقِّدة في الأذهان، ولا حاضرةً على الألسنة.

هي الدورةُ الرابعة والثمانون مِن مُؤتمر مَجمَع اللغةُ العربية الذي ينعقد سنويًا في القاهرة، فيناقش حالَ اللغة وما صار مِن أمرها، يُعدِّد شواهدَ ضَعفها، ويعرضُ المُنحدرات الجديدة التي انزلقت إليها. يسرد في نقاط مُحكَمة أسبابَ هوانها، ويصفُ عِلاج الداء الذي أصابنافأصابها، يستحثُّ الهِمَمَ، حتى ليظنُّ السامعُ أنَّ في الصباح الباكر يُجبَر ما انكسر منها ومنا، لما يلمح مِن أمارات استنكارٍ واستياءٍ، واهتزازِ رؤوسٍ رافضة، وزمِّ شفاهٍ غاضبة. إيماءاتٌ تعكس الحسرةَ مرات وبعضًا مِن الامتعاض؛ تظهر على الحاضرين، وحين ينتهي المُحاضِر مِن عرض أفكاره؛ إذا بالسامر ينفض، وبالكلمات الثقيلة تخفُّ وتتلاشى في الفضاء العريض. يعود الجالسون إلى مُزاولة حيواتهم العادية، ويرجع كل شيء إلى ما كان عليه قبل انعقاد المؤتمر، وقد خبت إرادة الفعل والتغيير، خاصة عند مَن بيدهم الأمر مِن المسئولين. هي عاداتنا الراسخة؛ الإسرافُ حديثًا والتقاعسُ عَملًا.

قرأت خبرًا صغيرًا عن قيام رجال الشرطة بإزالة اللافتات المكتوبة باللغة العربية جميعها؛ إذ تشوه المنظرَ العام. غَضَضّت النظرَ عما أُكن للعربية مِن إعزاز، فقد سرَّني الكلامُ وأبهجني الفعلُ مُجرَّدةً مِن الميول والأهواء؛ لم تقع الواقعة في مصر بل كانت تركيا؛ فقد أصدرت هيئةُ المعايير هناك، قانونًا يُجَرم وضعَ لافتات تحملُ كلمات أجنبية؛ عربية كانت أو بأي لغة أخرى، وقد دخل القانون حيّزَ التطبيق ووجد مَن يتحمس له وينفذه، ويعطي اللغةَ الأم في وطنها سيادة وكرامة، وينأى بها عن اللغات الأخرى التي تزاحمها.

وصَفَ رئيسُ هيئة المعايير التركية العبارات والإعلانات المكتوبة بلغة أخرى، بأنها مَحض تلوث بصريّ. في المؤتمر الذي حضرت يومه الثاني بالمجمع المصريّ، تحدث أحد الأساتذة مِن بلاد الشام عن التلوث اللغويّ؛ المتمثل بدوره في استخدام ”الفرانكوأرابيا“؛ الكلمات الأجنبية التي تستخدم حروفًا عربية أو ربما العكس؛ فالتشوه واحدٌ.
***

تذكرت فجأة قانونَ حماية اللغة العربية المصري؛ ذاك الذي ظهر إلى الوجود منذ بضعة أشهر، ليستقبله مجلسُ الوزراء وتناقشه وزارةُ العدل، ثم إذا به يختفي مُذ ذاك الحين، فلا يُسمَع عنه خيرٌ ولا شرٌّ، حتى يكاد النسيانُ يطويه. تذكَّرته وأنا أُمسِك في يدي كُتيبًا صغيرًا يحوي قانونَ حماية اللغة العربية، الصادر في المملكة الأردنية الهاشمية منذ ثلاثة أعوام؛ أي في العام ألفين وخمسة عشر، ليشترط عند تعيين المُعلّمين في المدارس، والأساتذة في الجامعات، والمُذيعين والمُحررين في مُؤسسات الإعلام؛ اجتيازَ امتحان ”الكفاية“ في اللغة العربية، ثم ليحظُر مِن اللافتات والإعلانات والمطويات وأشباهها، ما لا يحوي كتابة عربية؛ أكبر حجمًا وأبرز مكانًا مِن أية لغة أجنبية مُستخدَمة فيها.

ليست تركيا وحدها ولا الأردن، ليست العربية فقط ولا التركية العثمانية. كَتَبت مِن قبل عن مُقاطعة ”كيبك“ الكندية التي تكتب الفرنسية، وتتحدثها دونًا عن المقاطعات الأخرى، وعن القانون الذي استنَّته حماية للسانها وتراثها وشخصيتها، ألمانيا كذلك دلوة تعتز بلغتها وتبذلُ الجهدَ لصيانتها، أما مَن ينطقون العربيةَ؛ فيسيئون إليها تارة عن تعالٍ، وتارة عن جهلٍ، وتارة ثالثةٍ عن اجتماع المصلحة الاقتصادية مع السلطة السياسية؛ بما يجعل أمر الحفاظ على اللغة من طغيان لغات بلدان أخرى؛ مكروهًا لا يستحب تداوله أو السعي إلى تحقيقه.

إن تحبذ السلطة إصدار تشريع ما، لا يقف أمامها شيء، وإن ترفض تمريره واعتماده، يصبح في خبر كان؛ ولو عظمت قيمته وعلا شأنه. في الصباح أو المساء، ونحن صحو أو نيام، تُلقى فوق أدمغتنا قوانين وقرارات؛ لا يستغرق العمل عليها سنوات، ولا تستلزم شهورًا من المداولات، ولا تتآكل أوراقها في أدراج المسئولين.

نقلاً عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon