توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كنديّ.. تركيّ.. أردنيّ؛ لا مصريّ

  مصر اليوم -

كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ

بقلم : بسمة عبد العزيز

 كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن سعي الأممِ المُتحدة، لاستبعاد اللغة العربية مِن بين لغاتها المُعتَمَدة. قال المتحدثُ العربيّ، إن المَسعى قد يُكَلَّل بالنجاح ويتحول إلى واقع مرير، بفضل إخفاقاتِ الناطقين بالعربية في إظهار أهميتها للآخرين. الحُجَجُ التي تتردد تبريرًا لقرار الإعدام الوشيك كثيرةٌ مُتنوِّعة، وهي لشديد الأسفِ مَنطقية لا عيب فيها ولا ادعاء؛ منها هَجر مَندوبي الدول العربية لغتَهم، واستخدام لغات أجنبية في مُداخلاتِهم وحواراتِهم؛ بين أروقةِ الأُمم المُتحدة وحجراتها وفي مُختلَف المُنظمات التابعة لها. ينطقون بالإنجليزية، يوافقون أو يعترضون بالفرنسية، بينما تقبع العربيةُ في ركن قصيّ مِن ذاكرتهم الجَمعية؛ لغةٌ لم تعد مُتوقِّدة في الأذهان، ولا حاضرةً على الألسنة.

هي الدورةُ الرابعة والثمانون مِن مُؤتمر مَجمَع اللغةُ العربية الذي ينعقد سنويًا في القاهرة، فيناقش حالَ اللغة وما صار مِن أمرها، يُعدِّد شواهدَ ضَعفها، ويعرضُ المُنحدرات الجديدة التي انزلقت إليها. يسرد في نقاط مُحكَمة أسبابَ هوانها، ويصفُ عِلاج الداء الذي أصابنافأصابها، يستحثُّ الهِمَمَ، حتى ليظنُّ السامعُ أنَّ في الصباح الباكر يُجبَر ما انكسر منها ومنا، لما يلمح مِن أمارات استنكارٍ واستياءٍ، واهتزازِ رؤوسٍ رافضة، وزمِّ شفاهٍ غاضبة. إيماءاتٌ تعكس الحسرةَ مرات وبعضًا مِن الامتعاض؛ تظهر على الحاضرين، وحين ينتهي المُحاضِر مِن عرض أفكاره؛ إذا بالسامر ينفض، وبالكلمات الثقيلة تخفُّ وتتلاشى في الفضاء العريض. يعود الجالسون إلى مُزاولة حيواتهم العادية، ويرجع كل شيء إلى ما كان عليه قبل انعقاد المؤتمر، وقد خبت إرادة الفعل والتغيير، خاصة عند مَن بيدهم الأمر مِن المسئولين. هي عاداتنا الراسخة؛ الإسرافُ حديثًا والتقاعسُ عَملًا.

قرأت خبرًا صغيرًا عن قيام رجال الشرطة بإزالة اللافتات المكتوبة باللغة العربية جميعها؛ إذ تشوه المنظرَ العام. غَضَضّت النظرَ عما أُكن للعربية مِن إعزاز، فقد سرَّني الكلامُ وأبهجني الفعلُ مُجرَّدةً مِن الميول والأهواء؛ لم تقع الواقعة في مصر بل كانت تركيا؛ فقد أصدرت هيئةُ المعايير هناك، قانونًا يُجَرم وضعَ لافتات تحملُ كلمات أجنبية؛ عربية كانت أو بأي لغة أخرى، وقد دخل القانون حيّزَ التطبيق ووجد مَن يتحمس له وينفذه، ويعطي اللغةَ الأم في وطنها سيادة وكرامة، وينأى بها عن اللغات الأخرى التي تزاحمها.

وصَفَ رئيسُ هيئة المعايير التركية العبارات والإعلانات المكتوبة بلغة أخرى، بأنها مَحض تلوث بصريّ. في المؤتمر الذي حضرت يومه الثاني بالمجمع المصريّ، تحدث أحد الأساتذة مِن بلاد الشام عن التلوث اللغويّ؛ المتمثل بدوره في استخدام ”الفرانكوأرابيا“؛ الكلمات الأجنبية التي تستخدم حروفًا عربية أو ربما العكس؛ فالتشوه واحدٌ.
***

تذكرت فجأة قانونَ حماية اللغة العربية المصري؛ ذاك الذي ظهر إلى الوجود منذ بضعة أشهر، ليستقبله مجلسُ الوزراء وتناقشه وزارةُ العدل، ثم إذا به يختفي مُذ ذاك الحين، فلا يُسمَع عنه خيرٌ ولا شرٌّ، حتى يكاد النسيانُ يطويه. تذكَّرته وأنا أُمسِك في يدي كُتيبًا صغيرًا يحوي قانونَ حماية اللغة العربية، الصادر في المملكة الأردنية الهاشمية منذ ثلاثة أعوام؛ أي في العام ألفين وخمسة عشر، ليشترط عند تعيين المُعلّمين في المدارس، والأساتذة في الجامعات، والمُذيعين والمُحررين في مُؤسسات الإعلام؛ اجتيازَ امتحان ”الكفاية“ في اللغة العربية، ثم ليحظُر مِن اللافتات والإعلانات والمطويات وأشباهها، ما لا يحوي كتابة عربية؛ أكبر حجمًا وأبرز مكانًا مِن أية لغة أجنبية مُستخدَمة فيها.

ليست تركيا وحدها ولا الأردن، ليست العربية فقط ولا التركية العثمانية. كَتَبت مِن قبل عن مُقاطعة ”كيبك“ الكندية التي تكتب الفرنسية، وتتحدثها دونًا عن المقاطعات الأخرى، وعن القانون الذي استنَّته حماية للسانها وتراثها وشخصيتها، ألمانيا كذلك دلوة تعتز بلغتها وتبذلُ الجهدَ لصيانتها، أما مَن ينطقون العربيةَ؛ فيسيئون إليها تارة عن تعالٍ، وتارة عن جهلٍ، وتارة ثالثةٍ عن اجتماع المصلحة الاقتصادية مع السلطة السياسية؛ بما يجعل أمر الحفاظ على اللغة من طغيان لغات بلدان أخرى؛ مكروهًا لا يستحب تداوله أو السعي إلى تحقيقه.

إن تحبذ السلطة إصدار تشريع ما، لا يقف أمامها شيء، وإن ترفض تمريره واعتماده، يصبح في خبر كان؛ ولو عظمت قيمته وعلا شأنه. في الصباح أو المساء، ونحن صحو أو نيام، تُلقى فوق أدمغتنا قوانين وقرارات؛ لا يستغرق العمل عليها سنوات، ولا تستلزم شهورًا من المداولات، ولا تتآكل أوراقها في أدراج المسئولين.

نقلاً عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon