توقيت القاهرة المحلي 05:05:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القوة التائهة

  مصر اليوم -

القوة التائهة

بقلم - بسمة عبد العزيز

يكثر الحديثُ في مقالات وسرديات مُتنوعة حول ”القوة الناعمة“، مُصطلح يُفتَرض به أن يُمثِّل فئات المثقفين والكتاب والفنانين بوجه عام؛ هؤلاء الذين لا يملكون سلاحًا سوى قلمٍ أو ريشةٍ، أو عدسةٍ تلتقط مَشهدًا. يقارعون بالكلمةِ والحجَّةِ أو اللحنِ والصورةِ، يصلُ صوتُهم إلى العالم الخارجيّ بانسيابيةٍ وسهولة، فيؤثر بأعمق مما تؤثر الأسلحةُ والجيوش.

***

كَتَب في هذه الصفحة مُنذ برهة وجيزة، زميلٌ عزيز، عن مُصطلَح جديد، أو هو جديد قديم؛ كان، ثم توارى، ثم عاد ليحتل مكانه بين ما نستخدم مِن مصطلحات وتعابير؛ ذاك هو ”القوة الحادة“. مُصطلَح يُراد به التنويه والتنبيه إلى تغيُّرات تعتري أداءَ وتوجهات القوة الناعمة، ليست في مُجمَلها حميدة؛ إذ يجري بطريق أو أخرى دسُّ الزائفِ مِن المعلوماتِ، والشائهِ مِن الحقائق في قوالبِ الفن والدراما، وغيرها مِن أدوات القوة الناعمة ووسائلها، بما يجعلها هي نفسها بمنزلة أداة، تستخدمها السُلطةُ السياسيةُ في حروبها ومعاركها؛ تلك التي لا تتَّسم بالشرفِ والفضائلِ بطبيعة الحال.

***

”القوة الحادة“؛ تستخدمها أنظمةٌ شتّى في مُختلفِ أنحاء العالم، لتجميلِ صورتها أو تبرير أفعالِها أو تشويهِ الآخرين. تستخدمها في مُحاولة خداعِ الجماهير، والتلاعب بمشاعرِها، وتدجين وعيها، وتطويع إرادتها. لا تُستَثنى بالطبع الإدارةُ الأمريكيةُ، تحت قيادة دونالد ترامب، مِن زمرة المُتلاعبين المُخادعين، بل قد تأتي في مُقدمتهم.

***

حين قرأتُ ما كَتَبَ جميل مطر؛ يصفُ القوةَ الحادة في سلاسة وتشويق، ناوشتني أفكار حولَ مدى مُلائمة المُصطلَح لواقعنا. تساءلت إن عَبَّر بصدقٍ عن حال مثقفينا ومفكرينا وفنانينا. قلت في نفسي؛ لا شكَّ أنه ينطبق على البعض، لكنه قطعًا لا يَصِمُ الجميعَ، فثمَّة مَن يتمسكون حتى اللحظة بمواضعِهم ويصرون على مواقفِهم، لا يُرضُون السُلطةَ ولا يعجبون السُلطانَ، هُم موجودون وإن كانوا قِلّة.

***

رأيت اسمَ المبدع الكبير داوود عبد السيد، يَرِد ببلاغٍ هو في إطار المُضحِكات المُبكِيات، لا تخلو ديباجتُه مِن إبهام وتمييع؛ تحريض وقلب وإخلال بالحكم ونظامه. يَمثُل الفنانُ بين الأوراق؛ مُتهمًا بما لا يصدِّق عقلٌ ولا يجيز مَنطِقٌ. ترقَّبت ردودَ الأفعال، رحت أتابعها وأفتِّش عنها بملقط؛ فألفت تخاذلًا أليمًا، ونكوصًا ليس بعده نكوص، مِن أصحابِ ”القوة الناعمة“ وأهلِها. هَمَستُ لأصدقاءٍ بلا صَخب؛ صارت لنا قوةٌ نائمةٌ، لا يعلو لها صوتٌ ولا يُرى منها ضوءٌ، حتى وإن عَظُمَ المصابُ واستحالَ الخطبُ جللًا. قوة لا يجد الناسُ فيها عزمًا، ولا يرجون منها أن تصنع فارقًا ولو ضئيلًا في مُعادلةٍ صعبة.

***

منذ عقود، وقوةُ الفكرِ والفنِّ في حالٍ مِن التراجع والأفول، يسأل المهتمون عن المصير، ويتحسَّس المنزعجون بيننا المسارَ، ويقيس العالمون ببواطن الأمور ما نُنتج، مُتطلّعين إلى ما يُنتج أقرانُنا في البلدان المجاورة، والحصيلةُ النهائية مُؤسفة، فقوتنا الناعمة تتداعى شيئًا فشيء؛ فقدت رونقها على مدارِ سنواتٍ طويلةٍ سابقة، إلى أن ذَبلت نضارتُها في الفترة الأخيرة تمامًا، وصارت كما أوراقِ الشجر الجافة. القوةُ التي تسود الساحةَ الآن؛ لا لون لها، يبدو أفرادها مُتقاعسين عن القيام بأية مُبادرة، كثيرهم يحاول الإمساكَ بعصاه مِن المُنتصف، فقط كي يحفظ بها توازنه الشخصيّ، والحقُّ أن الخوفَ سيد؛ ففيلم سينمائيّ، أو دراما تلفزيونية، أو أغنية، أو حتى مَقالة؛ لا تأتي أيها على هوى الحُكّام، قد تودي بأصحابها إلى مَجهول.

***

القوةُ الناعمةُ في بلدان راسخة البنيان الديمقراطيّ؛ تصنع فارقًا. يقف مُخرِجٌ عتيد في الولايات المتحدة ليعارض النظامَ ساخرًا، وتَخطُب مُمثلة ذات قامة عالية لتنتقد رأسَ الدولة وتفضح مَسلكه، ثم يقاطعه فريق رياضيّ مُبديًا إزاءه كامل الرفضَ والازدراء؛ فلا يُصاب هذا بسكتةٍ فنية، ولا تتعرض هذه إلى حملةِ حصارٍ وتشويه بأوامر سياسية، ولا يُحرَم أعضاءُ الفريق مِن مَيزة أو مُكافأةٍ مادية، ولا يُسارع اتحادٌ رياضيٌّ بإصدار بيان تأييد، يُجلي فيه صفحَتَه مِن سوءِ أدبٍ مَزعوم أو قِلَّة احترام.

القوةُ الناعمة أحيانًا، الحادة في أحيان أخرى؛ تتحول لدينا إلى قوة باهتة، مُتخاذِلة، لا تهتدي ببوصلة، وتأبى أن تنظر الطريقَ.


نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوة التائهة القوة التائهة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon