توقيت القاهرة المحلي 04:50:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

علاء الدين

  مصر اليوم -

علاء الدين

بقلم : بسمة عبد العزيز

 واقفة فى مكتبة تعرض عشرات الكتب والصحف والمجلات؛ حديثة وقديمة، أتصفح بعض الدوريات الأجنبية التى اعتدت شرائها؛ دخلت سيدة فى أواسط العمر ومعها صبيّ وصبية، كلاهما شغوف بالقراءة؛ تطل الحماسة من وجهيهما. تنقلت أعينهما بين ما طالت مِن أرفف فى نهم، وراحا يتطلعان إلى الأغلفة الملساء الملونة والرسومات الجذابة، ويتصايحان بعناوين المجلات التى يريدان شراءها. سمعت السيدة تخاطب ابنتها بصوت خفيض، لكنه حاسم: ”علاء الدين؟!! علاء الدين لأخوكى، أنتِ تأخذين الأميرات“.

لفتت عبارتها انتباهي؛ إذ حملت إلى جانب الرفض القاطع، استنكارًا عميقًا. رفعت رأسى ونظرت نحو الثلاثة؛ فألفت الأم رقيقة المحيا، هادئة الملامح، فيها صرامة ظاهرة لا تخفيها الملابس الفضفاضة بدرجات ألوانها الناعمة. راح الصبيّ يتحرك فى الاتجاهات كلها، ويمد يده هنا وهناك، بينما الصبية تلزم مكانها أمام مجلة ”علاء الدين“، تحدق فيها برغبة حارقة، تزم شفتيها ولا تنطق.

زعق الصبيّ طالبًا علبة أقلام للرسم والتلوين، فيما انشغلت يداه بمجلتين؛ لم تكن إحداهما التى اشتهتها أخته. سألت الأم عن ثمن العلبة، ويبدو أنها قررت شرائها له بعد قليل من التردد، وفى اللحظة التى مدت يدها بالنقود إلى البائع، انفجرت الصبية فى البكاء واحمرت أذناها، وانهمرت من عينيها الدموع؛ لا تريد أميرات ولا ملكات؛ بل علاء الدين.

لم يغير حزنها المنفجر من الأمر شيئًا، نظرت إليها الأم متعجبة، وسحبتها من يدها مغادرة المكتبة، ولسان حالها يقول؛ ما بال الحمقاء؟ البنات لهن كتبهن وألعابهن، كما أن للبنين كتبًا أخرى وألعابًا.

شبَّ أغلبنا يسمع أن المسدس للصبيان والعروسة للفتيات. العدو والقفز والتشاحن لهم، والرقة والدعة والاستسلام لهن، مع ذلك كم مِن ”هُن“ خضعن للقواعد والتزمن بالصياغات والقوالب؛ تلك التى حاولت العائلة ومن بعدها المجتمع، فرضها عليهن؟ كم منهن تحولن بمقتضى النواهى والأوامر إلى أصفارٍ؛ لا تصنع فارقًا فى معادلة الحياة، ولا تضيف بحضورها قيمة، ولا يشعر بغيابها الناس؟

الخطاب السائد يؤكد صباح مساء أن النساء مُهمَّشات، قليلات حيلة، عاجزات فى أغلب الأحوال عن انتزاع حقوقهن الإنسانية الأصيلة، التى لا تتعلق بنوع اجتماعى دون آخر، بل بالانتماء إلى الجنس البشريّ بوجه عام. عن نفسى لم أصدق أبدًا أن المرأة فى مطلق الأمر ضعيفة. لا أحب أيضًا تلك الصورة النمطية التى تنظر إليها من زاوية الهشاشة، وترسم خطوطًا عريضة وعديدة، أسفل دواعى الخصوصية النفسية والجسدية.

ثمّة تفرقة فى المعاملة بين الرجال والنساء، ترسخت على مدار عقود وربما قرون فى مجتمعاتنا الشرقية؛ لا شك فى هذا. ثمة طغيان وتنمُّر، وخطاب فوقى مُتعال، تقوده بعض أوجه السلطة العتيقة؛ ومنها المؤسسات الدينية بطبيعة الحال، وثمة صور من الاضطهاد، تقابلها شعارات مرفوعة؛ تتحدث عن التمكين، وعن الإنصاف وتحقيق المساواة.

خلال رحلة النضال؛ لا يكون مِن الحصافة السقوط فى فخ تأكيد الضعف، أو تكريس خطاب الاستضعاف. النساء فى رأيى لسن ضعيفات، وإن أبدين ضعفًا فى لحظة ما؛ فمؤشر مِن مؤشرات التدبير، أو علامة ترو وإعادة للحسابات، وإن تهاوَنَّ فى معركة أو عكسن مظهرًا مِن مظاهر الاستسلام؛ فعن رغبة فى تسيير الحياة والحفاظ على الاتزان، لكنهن دومًا قادرات على اتخاذ خطوات، يُسترد بها الحق المسلوب، وتُعاد من خلالها الكرامة المهدرة، ويُكال الصاع صاعين لمن اعتدى.

فى مقالة سابقة للزميل والصديق العزيز جميل مطر، تحدث رجلان عن النساء وتحدثت امرأة عن نفسها. امتلك ثلاثتهم النزعة التقليدية فى مثل ذاك حديث؛ طرف يشعر بقوته، وآخر يشكو هوانه ومعاناته. تعجبت من الحوار وفكرت؛ بعض الرجال سذج؛ يصدقون أن النساء أقل قوة؛ وفى هذا الإطار منهم مَن يفخر بسطوته وسلطته ويتيه، ومنهم مَن ينبرى للدفاع عن تاء التأنيث ونون النسوة وتجلياتها؛ لا اعتقادًا فى التكافؤ والندية، بل مِن مُنطلق الشهامة والمروءة، ونصرة الضعيف. يكون الرجل ساذجًا عندما توحى له امرأة بأنها أدنى شأنًا؛ فيصدقها، وتقنعه بتفوقه الكامل والأكيد؛ فيؤمن بالفكرة ويروج لها.

على كل حال؛ لكُلٍّ منابع قوته ومصادر حيلته، ولكُلٍّ مواطن ضعفه ومواضع تخاذله. فى المكتبة؛ لم تكُف الصبية عن إعلان اعتراضها؛ بالصراخ تارة، وبالنحيب والتلويح بكلتى يديها تارة أخرى، حتى خَفَت الصوت وتلاشى بابتعادها وذويها عن المكان، وقبل أن أغادر، عادت؛ فيما انتظر أخاها بالخارج، وقد أمسكت الأم بيدها مُستكينة، وطلبت مِن البائع نسخة مِن ”علاء الدين“.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علاء الدين علاء الدين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon